كشفت مصادر مصرفية لصحيفة "الأخبار" أن "العمليات التي نفّذها مصرف لبنان مع المصارف تحت مسمى الهندسة المالية بدأت تباشيرها في عمليات خاصة نفّذها المصرف المركزي في عام 2015، وخصّ بها بنك "ميد"، او بنك البحر المتوسط، الذي يملكه رئيس الحكومة سعد الحريري، وذلك في اطار مساعي الاخير للخروج من ازمته المالية"، مشيرة الى أن "برنامج الهندسة المالية بدأ فعلياً عام 2015، واقتصر في حينه على بنك البحر المتوسط التابع للحريري، قبل أن يتوسع إلى مصارف محددة في مرحلة لاحقة بدأت أواخر أيار الماضي".
ولفتت المصادر الى أن "عمليات التحليل والتقويم لموازنات المصارف لعام 2015 كشفت لمعنيين في جمعية المصارف أن "البحر المتوسط" حظي بربح خاص قارب 185 مليون دولار. ليتبيّن بعد التدقيق، أن المصرف تلقّى برنامج دعم خاص من خلال عمليات مع المصرف المركزي، كانت على شكل العمليات نفسها التي طبقت في برنامج الهندسة المالية"، موضحة أن "هذه الخطوة بقيت مكتومة القيد لكونها جرت ضمن خطة دعم خاصة لمصرف الحريري، بعدما دخل مرحلة صعبة من تراجع العمليات المربحة وتعاظم الديون التي يمكن تصنيفها بالصعبة جداً أو الهالكة. كذلك شملت هذه العمليات مجموعة من الشركات التي تعمل من الباطن مع شركات الحريري المتعثرة في السعودية وغيرها، ما وفّر تغطية لجزء من مشكلة الحريري المالية".
وأشارت الى أن "مصرفي عودة وسوسيتيه جنرال كانا أول من فاتح حاكم مصرف لبنان بأمر العمليات التي حظي بها البحر المتوسط، وعلى الأثر جرت العملية الأكبر التي أتاحت للمصرف المركزي معالجة نقص في العملات الصعبة، من ضمن خطة شراء الوقت. وتجاوز حجم هذه العمليات التي جرت العام الماضي 14 مليار دولار، ووفرت ربحاً استثنائياً للمصارف ولكبار المودعين بنسبة تقارب 40 في المئة، أي ما قيمته 5.6 مليارات دولار، علماً بأن 84% من هذه الأرباح استأثرت بها 7 مصارف فقط"، كاشفة أن "المصارف غير المستفيدة شعرت بالأمر من خلال عمليات نقل ودائع منها إلى المصرفين الكبيرين، ما أثار مشكلات طُرحَت أمام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فكلّف الأخير موظفاً كبيراً التواصل مع المصارف الشاكية لفتح الباب أمام انضمامها إلى نادي المستفيدين، وهو ما ظهر جلياً في العمليات التي جرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة".
وأوضحت المصادر الفروقات في العمليات والأرباح بين "عوده" و"سوسيتيه جنرال" و"البحر المتوسط" وبين بقية المصارف، لافتة الى أنه "في المرحلة الأولى جرت العمليات الواسعة من الهندسة مع هذه المصارف التي قامت بعمليات مالية كبيرة مكنتها من جمع كمية كبيرة من الودائع للإفادة من الهندسة، وذلك عبر إعطاء أصحاب الودائع الكبيرة أرباحاً مباشرة، إضافة إلى الفائدة المفترضة. وتفاوتت العمولات بين هذه المصارف لتصل مع حالة البحر المتوسط إلى قرابة 32 في المئة تسدد فوراً على الوديعة، بما يذكر بنسب الفوائد على سندات الخزينة في النصف الأول من التسعينيات".
وأكدت أن "جمعية المصارف لم تكن موافقة على فتح الأبواب بصورة عشوائية، بل نبّهت في مراسلة رسمية مع المصرف المركزي من المخاطر المترتبة على القطاع. ففي محضر اللقاء الشهري بين مصرف لبنان والجمعية ولجنة الرقابة على المصارف، في 14 تشرين الثاني الماضي (تعميم رقم 370/2016)، ورد ما حرفيته أن "مجلس إدارة الجمعية اتخذ قراراً بالتمني على مصرف لبنان إقفال العمليات لاعتبارات سيولة العملات الأجنبية لدى المصارف وللحدّ من انعكاسها على معدلات الفوائد وخاصة بالعملات". وفي المحضر نفسه، ردّ حاكم مصرف لبنان بأن "العمليات حققت الأهداف التي كان يرمي إليها، وبالتالي لم يعد يرى فائدة إضافية لاستمرارها لفترة أطول"، مشددة على أن "العمليات تواصلت بعد اللقاء المذكور ولم تتوقف حتى اليوم، وذلك بعد شكوى مصارف عدّة لم تحقق أرباحاً تتجاوز ستة ملايين دولار، بسبب عدم فتح أبواب المشاركة أمامها، في ما عُدّ تمييزاً فاضحاً من جانب مصرف لبنان، علماً بأن بعض المصرفيين أشاروا إلى أن سلامة وعد بعض المصارف الصغيرة بإتاحة المجال لها مطلع 2017، ولا سيما أن خمسة مصارف على الأقل أشارت إلى إمكان توفيرها نحو نصف مليار دولار. لكن المعلومات لا تشير إلى سماح سلامة لهذه المصارف بالقيام بأي عملية، وإن تردد أن هذه العمليات جرت أخيراً".
وأضافت المصادر: "الجميع لم يكن مرتاحاً إلى ما يجري تحت عنوان الهندسة المالية، والكل يقرّ بأن هدفها في حماية الاستقرار النقدي كلف الكثير، وهي كلفة تشمل حتماً المصرف المركزي ووزارة المالية، وتالياً المواطن اللبناني"، مشيرة الى أن "سلامة يعتمد منذ مدة سياسات تهدف إلى تنشيط قطاعات في الاقتصاد الوطني، بسبب غياب برامج العمل من قبل الدولة. ولكن هذه ليست مهمة سلامة، لكن الأخير لا يزال يمثل بالنسبة إلى القطاع المصرفي، وإلى المعنيين بالأمر إقليمياً وعالمياً، عنصر استقرار".
وكشفت مصادر سياسية أن "قوى بارزة في الدولة باشرت التداول بأسماء مرشحين لخلافة سلامة، من بينهم مرشحون بارزون يعملون في لبنان والخارج ويملكون مهارات عالية في إدارة السياسة النقدية والمالية، ولهم علاقات واسعة في العالم"، مؤكدة أن "البحث الجدي ليس مطروحاً على جدول الأعمال حالياً، رغم أن سلامة يحشد من حوله قوى سياسية يتقدمها الحريري والنائب وليد جنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، إضافة إلى غالبية القوى السياسية والاقتصادية التي تدور في فلك 14 آذار. ويجري الحديث عن حوار يجري عن بعد لإقناع الرئيس نبيه بري بالسير في التجديد لسلامة، ما يؤمن غالبية تقف في وجه رئيس الجمهورية ميشال عون".