لم تختر الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحرب يوماً، ولا هي تهوى المشاكل والمتاعب. كل ما في الأمر أنها أرادت أنّ تكون حرّة مستقلة، فشُنّت عليها الحروب من جهات الأرض كلها. فمن ينظر إلى الخريطة الجغرافية يجد أنّ إيران مطوّقة من البحر والبر بنحو كامل، والأقمار التجسسية ترصد من السماء ما يستحق رصده، لتتكامل منظومة الحصار العسكري المتزامنة مع رزمة من القيود المالية والتجارية التي يمكن أن تجعل أي شعب يموت لولا إرادة الإيمان القوية التي يمتلكها الشعب الإيراني.
من الطبيعي أنّ الاستكبار الغربي الذي كانت له إيران قاعدة اقتصادية وسياسية وعسكرية هامة، خشيَ من التغيير الكبير الذي حصل بقيادة الإمام الخميني، فقد خسر بلداً زاخراً بالثروات الطبيعية. مع الإمام تحوّلت إيران من بلدٍ تابعٍ إلى بلد سيد على نفسه ومحرك ٍللضمائر والإرادات، ومصدر يقظة على مستوى المنطقة والعالم.
خلال السنين الماضية استطاعت القيادة الإيرانية بقيادة الإمام الخامنئي أن تجعل من إيران أحد أقوى البلدان الناهضة. القدرات العلمية والاقتصادية والتكنولوجية المعززة بروح إيمانية وشجاعة سياسية جعلت من هذا البلد إحدى أبرز نقاط الجذب والتغيير والتفاعل الإيجابي على مستوى البشرية. ولهذا نجد هذه السياسات الاستكبارية الجائرة التي تريد المبادرة إلى الاعتداء واستخدام العنف بمستوياته كلها لإسقاط الدولة الإسلامية، وإطفاء جذوة النور والهداية التي تشعُّ بالقيم والمبادئ الحضارية والإنسانية القائمة على احترام كرامة الإنسان وحريته وتعزيز العدالة والقانون وتطوير العلاقات بين الشعوب على أساس الحق والتكامل والتعاون.
لم يَخَفِ الإمام الخميني يوماً من أميركا، وهو الذي وصفها بــــ الشيطان الأكبر . بين المصالح الذاتية والحق اختار الإمام أن يكون إلى جانب الحق. وبين الازدهار الاقتصادي والاستقلال اختار الإمام الاستقلال. لم يكن يريد أن يبني علاقات مع أميركا وهي تواصل سياساتها الاستغلالية والاستبدادية تجاه الشعوب المستضعفة. لم يساوم ولم يهادن في موقفه تجاه إدارة أوغلت في ظلم البشرية وسرقة ثروات الشعوب وانتهاك حقوقها بأبشع صور الاستغلال. لذلك عندما عبّر عنها الإمام بأنها الشيطان الأكبر كان يعني ذلك تماماً. لذلك لم يرضَ للحكومة الإيرانية أن تقيم أي علاقة لأهداف براغماتية. وهو الذي قال: لن نقيم علاقات مع أميركا إلا إذا تخلّت عن ظلمها وتسلّطها، ونحن ثابتون على موقفنا حتى النهاية. والعلاقات التي تكون على أساس الظلم والاعتداء نحن في غنى عنها . هذا الكلام نسوقه في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، ونسوقه لتذكير الإدارة الأميركية الجديدة التي تدقّ طبول الحرب، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تخيفها تلك التهويلات، وهي مستعدة لمواجهة العدوان، سواء جاء عن طريق الأعراب الذين مزقوا سورية واليمن والعراق بغيّهم وعبوديتهم لأميركا، أو سواء جاء من أميركا نفسها.
مَن يتكل على الله وعلى شعبه فسينتصر. هذه حتمية تاريخية وإلهية، أما حتمية نهاية التاريخ فلن تكون إلا بمردود عكسي أي بسقوط هذه الإمبراطورية المتغطرسة عاجلاً أو آجلاً!