لم تغيّر السياسات الأميركية منذ عام 1979 قيد أنملة من أهدافها حيال الجمهورية الإسلامية، لكنها بدّلت الوسائل والأساليب. الهدف الأميركي ذاته يتمثل بالطموح الدائم والرغبة الجامحة، في استعادة السيطرة على إيران بأيّ شكل من الأشكال ووضعها في خدمة المصالح الأميركية الكبرى.
غرّد الرئيس دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي عبر تويتر قائلاً: «إيران تلعب بالنار، والإيرانيون لا يقدّرون كم كان باراك أوباما طيبًا معهم، أما أنا فلستُ مثله».
ما هو مصير الاتفاق النووي؟
لا يمكن أن تتواصل وتيرة تصريحات الرئيس الأميركي التصعيدية تجاه طهران. يواجه مشاكل داخلية مع ازدياد حدة التوتر بين البيض والسود. وفق المعنيين بالملف الإيراني لـ«البناء»، لا يستطيع ترامب إلغاء الاتفاق النووي لأسباب ثلاثة:
الاتفاق نافذ بقرارات دولية وقرار من مجلس الأمن الدولي.
العلاقات المتوترة بين أوروبا والولايات المتحدة المتحدة لن تساعد الأخيرة على إسقاطه، فضلاً عن أنّ روسيا ستبقى الضامن الأول لهذا الاتفاق وأحد عوامل نجاحه الأساسية، وسيبقى الكونفوشيوس الصيني الحليف الدائم للإيرانيين على الصعد السياسية والاقتصادية والحضارية.
لا يريد ترامب نفسه إلغاءه. يرفع السقف في محاولة لانتزاع تنازلات لا تتعلّق بالاتفاق ذاته، إنما بعناوين أخرى لها علاقة بالصراع على رأسها الملفات الإقليمية ودور إيران وحضورها على مساحات الجغرافيا الممتدة من جبال هندوكوش في أفغانستان وحتى شواطئ البحر المتوسط.
بدأ ترامب اللحظات الأولى من حكمه بخطاب شعبوي توتيري عالي السقف ضدّ الإيرانيين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ألا يخدم هذا الخطاب طهران نفسها والسلطة القائمة فيها ويعزّز قدرتها على المواجهة؟
استفز الملياردير الأميركي، الشعور القومي للإيرانيين وحّد التيارات كافة. جمع الثورة ومعارضيها. ليس سراً أنّ اللوبي الإيراني ذراع طهران الديبلوماسي في واشنطن يشكل واحداً من أهمّ اللوبيات في الولايات المتحدة. فهو ساعد على توقيع الاتفاق النووي وتحسين العلاقة نسبياً بين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والقيادات في الجمهورية الإسلامية. يقول المعنيون إنّ هذا اللوبي قوي وحاضر ولا يزال تأثيره قائماً في واشنطن.
يؤكد المطلعون على الملف الإيراني لـ«البناء» أنّ هناك قدرة للثورة أن تحفز شعارها المعادي لأميركا وتعمل على تقويته في الداخل. المساحة بين الإصلاحيين والمحافظين تضيق على ضوء هجوم الإدارة الأميركية الجديدة، هذا من شأنه أن يجعل من طهران قلعة متماسكة في مواجهة واشنطن.
يتصرّف ترامب بعقلية رجل الأعمال. ذهنيته ترتكز على مفهوم المقايضة. لذلك، من الخطأ إجراء محاكمة سياق العلاقة بينه وبين الجمهورية الإسلامية في مرحلة الموج العالي، علماً أنه سيلجأ إلى الضغوط الاقتصادية والمالية والإعلامية في محاولة «خلخلة» الداخل الإيراني أكثر مما يسعى إلى مواجهة عسكرية.
تشكل هذه المرحلة مرحلة عضّ الأصابع. كلّ طرف سيرفع السقف قبل الذهاب إلى سيناريو من سيناريوين:
الذهاب إلى مواجهة حقيقية بعد أن يتورّط الفريقان في لعبة حافة الهاوية. وهذا احتمال ضئيل.
أن تفرض لعبة حافة الهاوية على الطرفين الدخول في متنفّسات للأزمة، قاعدتها الأساسية رغبة رجل الأعمال الأميركي أن يكون له نصيب من نسيج «السجادة» الإيرانية وفرص انفتاح طهران على العالم. اكتشفت الولايات المتحدة بعد توقيع الاتفاق النووي أنّ «الكعكة» الإيرانية ذهبت باتجاهات أخرى، رغم أنّها كانت الطرف الأكثر تأثيراً في التوقيع.
فك أوصاد المشروع الإيراني من القيود التي فرضها الاتفاق، قد يكون ذلك فرصة حقيقية، لكي تتحوّل إيران أسرع من المتوقع، إلى «نووية». علماً أنّ الاختبار الحقيقي للعلاقات الأميركية – الإيرانية سيكون في ساحات اليمن وسورية والعراق ولبنان والخليج العربي.
في تعبير عن تلاقي المواقف بين المحافظين والإصلاحيين. قال المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الثلاثاء في اجتماع مع قادة عسكريين: «لا يمكن لأيّ عدو شلّ الأمة الإيرانية». «تهديدات ترامب لا تخيفنا وانتظروا ردّنا… يوم الجمعة أمس في ذكرى الثورة الإسلامية». أمس توعّد الرئيس حسن روحاني في كلمة أمام ملايين الإيرانيين واشنطن بالندم على لغة التهديد ضدّ بلاده. وأشار إلى أنّ المسيرات الحاشدة بذكرى الثورة تشكل رداً واضحاً على التصريحات الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي.
عند الحروب الكبرى والأزمات يتوحّد الفرس. أسقطت سياسة ترامب الفوارق الداخلية. شدّت عصب النظام. قدّمت خدمة كبيرة للمحافظين والحرس الثوري.