خلال العقود الماضية شكلت قضية "وهب الأعضاء" مسألة خلافيّة بين البشر، فمنهم من يرفضها لمجرد الرفض ومنهم من يتحجّج بالدين لرفضها، ولكن مع تطور العقول البشرية تحولت قضيّة "وهب الاعضاء" من فكرة نظريّة الى عمل تطبيقي، فاستعان الطب بالواهبين لانقاذ حياة الاف الاشخاص حول العالم.
دخلت فكرة "وهب الاعضاء" الى لبنان منذ سنوات وتشكلت "اللجنة الوطنية لزرع ووهب الاعضاء" للاشراف عليه، وسرعان ما انتشرت "الفكرة" في المجتمع اللبناني المسيحي بشكل خاص نظرا لخوف المسلمين من مسألة "تحديد الموت"، انما اليوم انطلق قطار تغيير الفكر السائد لدى المسلمين وتحديدا الشيعة، ففي الأيام المقبلة سيتم الاعلان عن جمعية جديدة تُعنى بهذا الامر، وهي اول جمعية "مسلمة" اسمها "من أحياها".
تستمد الجمعية اسمها من قول الله في القرآن الكريم "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعا"، يقول رئيس الجمعية الدكتور عماد شمص. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "ان هذه الفكرة ليست وليدة الامس بل بدأنا العمل عليها منذ سنتين حيث كان منصبا على انشاء جمعية تبحث في موضوع وهب الاعضاء عبر نشر هذه الثقافة في المجتمع". ويشير الى ان هذه المسألة كانت مغيّبة عن مجتمعاتنا بسبب الحالة الضبابية التي ترافق مفهوم الموت، اضافة الى مخاوف دينيّة جاءت بسبب سوء التواصل بين أهل الاختصاص الطبّي واهل الشريعة والدين.
يكمن الخوف من وهب الاعضاء لدى اغلب الناس، في مفهوم الموت، فالبعض يرى أن موت الدماغ هو الموت الحقيقي، بينما يرى البعض الاخر ان توقف القلب عن الخفقان هو الموت. وهنا يؤكد شمص أن الموت يتحقق عند "موت الدماغ"، ولبنان يعترف بهذا التعريف، لذلك يمكن التبرّع بالأعضاء بعد تحقق الموت الدماغي بفترة وجيزة، اذ ان بعض اعضاء الجسم تستمر بالعمل بواسطة الأدوية لمدة قصيرة جدا تلي موت الدماغ. ويلفت شمص النظر الى ان اقتناع الناس بأن الموت الدماغي يعني موت الانسان بحيث لا مجال بعدها للعودة الى الحياة، يسهّل اقتناعهم بالوهب.
من هنا، لا شك أن الجمعية ستجد صعوبة كبيرة بتسويق فكرة وهب الاعضاء في الشارع الاسلامي، لذلك ستكون مهمة رجال الدين في عمليّة التوعية صعبة، وهذا ما يؤكده عضو الهيئة الادارية في الجمعية الشيخ حسين غبريس في حديث لـ"النشرة"، مشيرا الى ان التوعية ستصبح أكثر سهولة في الفترة المقبلة لأن المراجع الدينية الشيعيّة تصدّت لهذه القضيّة وهناك فتاوى واضحة تبيح وهب الاعضاء.
واذ كشف غبريس عن تقدم عدد لا بأس به من الشباب، بأسمائهم لوهب اعضائهم بعد وفاتهم، يشير الى ان "نظرة الاسلام وتحديدا المذهب الشيعي لوهب الاعضاء تغيرت واصبحت إيران مثلا من الدول الاولى في العالم التي تتعامل مع الموضوع بشفافية"، كاشفا عن "خطة عمل ستأتي مباشرة بعد حفل اطلاق الجمعية، تلحظ ايصال الفتاوى التي توضح الموقف من وهب الاعضاء لكل الناس".
تستهدف الجمعية من خلال انشطتها وبرامجها جميع شرائح المجتمع اللبناني، وتعمل وفق القوانين المرعيّة الاجراء وبالأخص أنظمة وقوانين الهيئة الوطنية لوهب وزرع الاعضاء في لبنان، وتستفيد اللجنة من المتطوعين الذين يرغبون بتقديم المساعدة. وفي هذا السياق يشير رئيس الجمعية الى أن القوانين اللبنانية التي تعترف بالموت الدماغي سمحت للأطباء بنقل الاعضاء من جسد المتوفّي الى جسد المريض بشرط ان يكون الأول قد أوصى خلال حياته بوهب اعضائه، اذ لا يجوز قانونا وشرعا أن تُستخدم الأعضاء من دون موافقته المسبقة قبل وفاته.
تنطلق جمعية "من احياها" في مهمتها في 20 شباط الجاري، آملة ان تساهم في حملاتها التوعية بإنقاذ المرضى وتشكل بذلك قفزة "انسانية" نوعية في الشارعين الاسلامي والوطني.