على وقع الخلافات بين فصائل المعارضة السورية المسلحة، يعود تنظيم "القاعدة" بقيادة أيمن الظواهري ليطل برأسه من جديد، بعد أن كان الجناح الرسمي له، أي جبهة "النصرة" سابقاً بقيادة أبو محمد الجولاني، قد أعلن "فك الإرتباط" معه في شهر تموز من العام 2016.
خطوة "فك الإرتباط" تلك لم تأتِ من دون معرفة قيادة "القاعدة"، فالإعلان عنها تم بعد أخذ الاذن منها، حيث مهّد لها نائب زعيم التنظيم أحمد أبو الخير، في تسجيل صوتي بثته "مؤسسة المنارة البيضاء"، قبل أن يخرج الجولاني ليعلن ولادة جبهة "فتح الشام"، بهدف "التوحد مع الفصائل المعارضة لرصّ صفوف "المجاهدين" ولتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه"، و"حماية الجهاد الشامي والاستمرار فيه واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك"، وقبل أبو الخير كان منظر "التيار السلفي الجهادي" أبو محمد المقدسي قد أعطى "فتوى" واضحة في هذا المجال، عندما تحدث عن "تغيير المسمّيات إذا ما أصبحت عبئاً على المجاهدين".
على الرغم من ذلك، لم تمرّ هذه الخطوة من دون إعلان قيادات بارزة في "النصرة" الإنشقاق عن المولود الجديد، أي جبهة "فتح الشام"، وأبرزها في ذلك الوقت كان كل من عماد الطوباسي "أبو جليبيب الأردني" وبلال خريسات "أبو خديجة الشرعي" وسمير حجازي "أبو همام الشامي"، بسبب رفضهم الإبتعاد عن "القاعدة" أو "فك الإرتباط" مع التنظيم الأم.
في الوقت الراهن العودة إلى تلك التفاصيل أمر بالغ الأهمية، في ظل المعلومات عن وجود من يعمل على أخذ البيعات لـ"أبو جليبيب الأردني"، تمهيداً للإعلان رسمياً عن فرع جديد لـ"القاعدة"، وتم الحديث عن أن "أبو خديجة الشرعي" هو عرّاب هذا المشروع، في حين كانت جبهة "فتح الشام" قد ذهبت إلى خطوة جديدة من نوعها، عبر الإعلان عن حلّ نفسها والإندماج مع مجموعة من الفصائل في كيان جديد يُدعى "هيئة تحرير الشام"، بزعامة القيادي السابق في حركة "أحرار الشام" أبو جابر الشيخ.
وفي حين أنها ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن مثل هذه المعلومات، يبرز اليوم الخلاف الكبير بين أبو محمد المقدسي وقيادة "تحرير الشام"، بعد أن أشار منظّر "التيار السلفي الجهادي" إلى أن "نفوذ المميعة زاد في تحرير الشام على حساب أنصار الشريعة"، محذراً من أن "هناك فئة من الشباب تعهدوا بعدم القتال مع الهيئة في حال لم تكن واضحة معهم بمسألة تحكيم الشريعة"، لافتاً إلى أنه نصح هؤلاء بـ"تكثير سواد أنصار الشريعة في الهيئة أو الإنضمام إلى أي فصيل يلبّي مطالبهم"، وملمّحاً إلى دعمه إياهم بتشكيل فصيل جديد في حال تعذّر وجود جماعة "تسعى لتحكيم الشريعة وتطبق التوحيد".
وبالنظر إلى أهميّة المقدسي في "الساحة الجهادية" لم تتأخر الهيئة في الرد عليه، من خلال "رسالة محب" التي وجهها كبير "الشرعيين" فيها عبد الرحيم عطون "أبو عبد الله الشامي"، الذي دعا المقدسي للقدوم إلى سوريا والاطلاع بنفسه على مشروع الهيئة، أو أن "يغير مصادره التي يستقي منها أخباره"، موضحاً أن مصطلح "أنصار الشريعة"، الذي يكرره المقدسي، يقصد به "جند الأقصى"، و"جماعة الزعلانين"، الذين انشقوا عن "فتح الشام" لأسباب "نفسية".
ومن أبرز النقاط، التي كانت موضوع أخذ ورد بين الشامي والمقدسي، جاء الموقف من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث أشار الأول إلى أن "لا علاقة للهيئة بمن يكفر أردوغان أو يعتبره مسلماً لأن ذلك من المسائل الخلافية"، في حين رد الثاني بأن "محاولته التهوين من شأن تكفير الطواغيت، الذي يؤدي لتمييع ما ينبني على ذلك من براءة منهم ومن جيوشهم، هو من التمييع الذي يسألني عنه الشيخ".
في المحصلة، أمام هذا الواقع يصبح من الضروري السؤال عما إذا كانت "نصيحة" المقدسي هؤلاء "الشبان" بتشكيل فصيل جديد في حال تعذّر وجود جماعة "تسعى لتحكيم الشريعة وتطبق التوحيد"، تمهيد نحو عودة "القاعدة" إلى الساحة السورية من جديد، بعد أن سبق له التمهيد نحو "فك إرتباط" جبهة "النصرة" معها، لا سيما أن الملاحظات التي يقدمها تدور في فلك الأفكار التي يحملها التنظيم، بالرغم من أن التجارب السابقة غير مشجعة.