ليس سهلاً ما يعاني منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الداخل من معارضة لحُكمه ومظاهرات مستمرة ينظّمها "الديمقراطيون" وتشترك فيها شركات كبرى ومؤسسات إعلامية، ويديرها أصحاب الرساميل، ومنهم جورج سورس.
وكان لافتاً أنه ومع العرقلة التي يمارسها الكونغرس لتصديق تعيينات ترامب لإدارته، الضغوط الإعلامية والسياسية التي مورست على مستشار الأمن القومي مايكل فلين، والتي دفعته للاستقالة؛ في ضربة كبيرة للإدارة، ذلك أن فلين كان من الأركان الأساسيين الذين يستند إليهم ترامب في رسم سياساته.
ومع كل هذه العراقيل والانقسام المجتمعي، والفضائح والتشهير الذي يُمارس على ترامب وعائلته وأركان حكمه، وتحديه قضائياً، يكون على الرئيس الأميركي إحراز تقدُّم أو نجاح في استراتيجيته الخارجية، لإسكات الأصوات الداخلية، ولحشر معارضيه ومنتقديه بأنه غير مُلمّ بالشؤون الخارجية، وأنه لن ينجح في السياسات التي وعد بها.
لذا، يحتاج الرئيس الأميركي إلى انتصار ما يوظّفه ضد خصومه في الداخل، فما هي البدائل أمامه؟
1- الصين: يُدرك ترامب أن سياسة احتواء الصين هي استراتيجية طويلة الأمد، كما أن الصراع التجاري معها قد يدفع بعض الشركات الأميركية المتضررة إلى الانخراط بقوة في محاولات إضعافه داخلياً، لذا، بعد سلسلة من التصريحات العدائية ضد الصين، وبعد محاولة استفزاز الصينيين بقضية تايوان، عاد واعترف بسياسة "الصين الواحدة"، وغلب "الودّ" على اتصاله بالرئيس الصيني، كما أعلن ترامب نفسه.
2- إيران: تتلاءم توجهات ترامب العدائية ضد طهران مع التوجهات العامة للكونغرس الأميركي، لذا سيستمر ترامب في سياسة العداء تجاه إيران، لكنه لن يصل إلى مرحلة الصراع أو التوتر العسكري معها. يدرك أركان إدارة ترامب من العسكريين أن الصراع العسكري مع إيران عالي الكلفة وغير مضمون النتائج، بالإضافة إلى المحاذير التي تسود الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد جورج بوش الإبن من أي تدخل عسكري مباشر وانخراط الجنود الأميركيين في حروب خارج البلاد.
وقد تكون سلسلة المواقف النارية التي أطلقها السيد حسن نصرالله مؤخراً، هدفها الضغط الاستباقي على الإدارة الأميركية، لئلا تنجرّ الرؤوس الحامية في كل من "إسرائيل" ودول الخليج وتحرِّض إدارة ترامب على الانخراط في صراع عسكري مع إيران، أو مع حزب الله في الجنوب اللبناني، فذلك سيجرّ المنطقة برمّتها إلى الخراب.
3- "داعش": وهي المعركة الأسهل نسبياً، والتي يحتاج ترامب إلى الانتصار فيها لتحقيق أهداف عدة:
أ- إسكات الأصوات المعترضة في الداخل، وتخفيف الانتقادات ضده.
ب- القول إن سياسته أفضل من سياسات أوباما، الذي لم يستطع القضاء على "داعش"، ولم تُبلِ إدارته بلاءً حسناً في استراتيجية مكافحة الإرهاب.
ت- الافتخار بأن إدارته استطاعت أن تتخلص من "داعش" في وقت قصير نسبياً، بعدما كانت إدارة أوباما، ومنهم وزير الدفاع، قد اعتبروا أن القضاء على "داعش" يحتاج إلى ثلاثين سنة.
إذاً، يحتاج ترامب إلى انتصار في حربه ضد الإرهاب لتوظيفه لمصلحته في الداخل والخارج، وأمامه الساحتان العراقية والسورية لاستخدامهما للقضاء على "داعش".
في الاختيار بين العراق وسورية، سيكون من الأسهل على ترامب أن يبدأ استراتيجيته لمكافحة الإرهاب في العراق، إذ لا يوجد الكثير من الإشكاليات التي تعترض التعاون الأميركي مع الجيش العراقي في معركته ضد "داعش"، اللهم إلا إذا عمد ترامب إلى وضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، ما قد يعقّد جهود مكافحة الإرهاب، بعدما ثبت أن الحشد الشعبي العراقي هو الذي يحقق الإنجازات الأكبر في هذا المجال.
أما بالنسبة لسورية، فالتعقيدات المحيطة بمصالح القوى الإقليمية، والحساسية التركية المرتبطة بالدعم الأميركي للأكراد، والتعويل الأميركي على المقاتلين الأكراد في استراتيجتهم لمكافحة الإرهاب، بعدما فشلت كل البرامج العسكرية التدريبية للاعتماد على مقاتلين سوريين "معتدلين"، بالإضافة إلى ارتباط الانتهاء من ظاهرة "داعش" بالتعاون مع الجيش السوري وحلفائه، وعدم رغبة الأميركيين بالانتهاء من تلك الظاهرة قبل الاتفاق على مستقبل وترتيبات ما بعد الحرب في سورية.. كل هذا، قد يؤجّل السعي الأميركي للقضاء على "داعش" في سورية أو إلى حل النزاع السوري، خصوصاً أن القبول بالأمر الواقع وإنهاء الحرب السورية قياساً على موازين القوى الميدانية، قد يعطي مادة دسمة للمعارضين في الداخل لانتقاد ترامب، وستكون عناوين الحملة الإعلامية والسياسية عليه: القبول ببقاء الأسد، أو التعاون مع "متهمين" بارتكاب مجازر، أو التخلي عن حلفائنا، أو تعظيم دور إيران وحزب الله في المنطقة..