زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لواشنطن، تستهدف عرض مصالح تل أبيب أمام السيد الجديد للبيت الأبيض. مصالح لا تغيب عنها، بطبيعة الحال، الساحة اللبنانية، باعتبارها التهديد الاستراتيجي الأول لإسرائيل.
في الإطار العام، لا تختلف الزيارة عن زيارات سابقة أتت بعد تولي رؤساء أميركيين جدد، مهماتهم. لكنها في حالة دونالد ترامب، وربطاً بهويته ومواقفه و»نرجسيته»، تزيد أهمية عما سبقها.
وكما هو واضح، يحتل لبنان حيزاً رئيسياً، إلى جانب ملفات أخرى مرتبطة أيضاً به، في محادثات الطرفين على المستويات التقريرية والتنفيذية. وذلك ربطاً بموقعه على الخريطة الدولية كمصدر التهديد الاستراتيجي الأول لإسرائيل، وأحد أهم عوامل فشل خطط إلحاق المنطقة بالمصالح الأميركية.
بحسب ما تسرب إسرائيلياً، عرضت إسرائيل مصالحها، في الساحة اللبنانية، عبر عرض النتيجة المتوخاة: محاربة حزب الله وتقييد دوره الإقليمي ومعالجة سلاحه كتهديد أول لها. هذه النتيجة تتحقق، بحسب تل أبيب، عبر دور فاعل ومؤثر لواشنطن والدول «العربية السنية المعتدلة»، كما لروسيا بعد المساومة معها، وبطبيعة الحال، للساحة الداخلية اللبنانية. وهو جهد مشترك، تشارك فيه كل هذه الأطراف، لـ»تغيير بيئة حزب الله» و»شلّه».
هذه الوجهة تعني، إجمالاً، تكراراً لما سبق وتقرر ونفذ، طوال السنوات الماضية. رغم أن البعض قد يجادل بأن ترامب يشكّل متغيراً جديداً في المعادلة، قد يدفع أو يسمح لإسرائيل بإعادة تجربة المقاربة العسكرية، على غرار 2006. معنى ذلك أن الحرب الإسرائيلية على لبنان، بموجب المتغير الجديد، باتت أقرب من أي وقت مضى.
في المقابل، ومن دون التقليل من مفعول «المتغير الجديد»، فإن الحرب الإسرائيلية كانت ولا تزال، منذ 11 عاماً، أقرب من أي وقت مضى. وكان يحول دون الحرب معطيان رئيسيان لا يزالان حاضرين: الجدوى، بمعنى إمكان تحقيق أهداف الحرب إن نشبت، وفي المستوى نفسه، قدرة إسرائيل على تحمل ثمنها. ففي أي وقت تتوفر فيه لإسرائيل القدرة على تجاوز أو توفير رد على هذين المانعين، ستبدأ الحرب بلا مقدمات ومن دون تردد، سواء مع إدارة ترامب أو أي إدارة سابقة أو لاحقة.
وصول ترامب إلى البيت الأبيض، و»نرجسيته»، والتطورات الأخيرة في الإقليم بدءاً من الساحة السورية التي كانت حتى الأمس القريب تشكل فرصة لإسرائيل لـ»ضرب» حزب الله ومحاصرته، قبل أن تتحول إلى تهديد مع انتصارات الجيش السوري وحلفائه، معطيان قد يزيدان من منسوب الحافزية الإسرائيلية للمغامرة. لكن ذلك لا يغير، في المقابل، منسوب التهديد المرتبط بالجدوى والثمن. وهذا إن لم تكن تل ابيب قد وقعت، من جديد، في خطأ حساباتها.
مع ذلك، في حدود ما دون الحرب والخيارات العسكرية، لا جدال في أن الإدارة الأميركية ستستجيب للمطالب الإسرائيلية. وهي في الأساس، كانت مستجابة في الإدارة السابقة. لكن يجدر التشديد على أن عرض المصالح لا يعني، تلقائياً، أنها باتت في دائرة التحقيق والتنفيذ الفعليين. وحتى إن نفذت، فلا يعني ذلك أنها ستنجح في تحقيق أهدافها. بإمكان إسرائيل أن تعرض مصالحها، أما ما يتحقق منها، أو يمكن أن يتحقق، فمسألة مغايرة تماماً...
هذه النقطة، تحديداً، بين المأمول والممكن، كانت في خلفية كلام نتنياهو أمام وزرائه، وتشديده على ضرورة الحد من التوقعات بعد تولي ترامب مهماته الرئاسية. تصريح وإن كان يأتي في إطار عام، ينسحب أيضاً على الآمال الإسرائيلية تجاه الساحة اللبنانية. إذ أشار إلى فهمه «للانفعالات الكبيرة حول اللقاء مع ترامب، لكن يجب الالتزام بسياسة مسؤولة وراشدة».
مع ذلك كله، في الشق اللبناني تحديداً، من المقدر أن يكون الأفرقاء اللبنانيون أمام امتحان وضع المصلحة اللبنانية ومنع الفتنة في مقدمة توجهاتهم، أو أنهم سيتلقفون أي تحرك أو «إيحاء» أميركي ــــ إسرائيلي، لإعادة التموضعات الحادة إلى ما كانت عليه في السابق. امتحان، من المقدر أن يسقط فيه أفرقاء، هم بطبيعتهم يبنون على السراب للإضرار بحزب الله، فكيف إن تلمّسوا سعياً أو توجهاً أميركياً ما، للضغط على المقاومة سياسياً واقتصادياً وربما أكثر من ذلك.