لعل المسألة الايجابية الوحيدة في قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى"داعش"، انها لا تزال حية ولم تدفن مع غيرها من المواضيع المدفونة والتي لا تجد من يسأل عنها، ولعل التحرك الذي يقوم به اهالي هؤلاء، اضافة الى جهود يقوم بها بعض المسؤولين، هي المسؤولة عن ابقاء هذه المسألة حقيقة واقعية لا تزال تنبض.
التطور الاخير الذي طرأ على هذه القضية تمثل بقرار مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة، تخصيص مبلغ 250 الف دولار اميركي لمن يدلي بمعلومات صحيحة من شأنها ان تؤدي الى كشف مصير هؤلاء المخطوفين. هذه الخطوة يمكن النظر اليها من منظارين: الاول ايجابي والثاني سلبي، وبالتالي يمكن للبعض ان يتوقّع حلاً لهذه المشكلة فيما يتوقع البعض الآخر تعقيداً اضافياً لها، فما هو اساس كل من الوجهتين؟
في المبدأ الايجابي للأمور، يمكن القول ان الدافع المالي سيشجع من يملك معلومات جدية ان يتقدم لطرحها على المعنيين، وان هذا القرار يأتي في محله في ظل المعاناة الامنية والعسكرية والمالية والادارية التي يعاني منها تنظيم "داعش" الارهابي في المنطقة، وهو الذي يجد نفسه يُضرَب صفعة تلو أخرى في سوريا والعراق، فيما يجد نفسه امام معركة خاسرة في لبنان ضد القوى الامنية اللبنانية. وهذه الجائزة قد تحرك أناساً من "داعش" فقدوا الامل في تحسين اوضاعهم، ويرغبون في الخروج من الدوّامة التي وجدوا انفسهم فيها، وبالاخص من الناحية الماليّة، او انها قد تشجع بعض المترددين في التقدّم للادلاء بمعلوماتهم، على الاسراع في خطوتهم وحسمها.
ايجابية اخرى يمكن ان تسفر عنها الجائزة المالية وهي تتعلق بامكان تقديم خيط من خيوط ملاحقة بعض المنضوين تحت لواء "داعش"، والمخفيين عن الانظار او المبتعدين عن النشاطات العلنية للمنظمة الارهابية. فالمعلومات المقدّمة لكشف مصير العسكريين المخطوفين قد تحمل بشكل غير مباشر، او حتى مباشرة، أدلّة تسمح بتكثيف التحقيقات والمعلومات للوصول الى معرفة هويّات "الارهابيين" او الكشف عن خلايا نائمة، او عن مجنِّدين ومجنَّدين لصالح "داعش".
ولكن البعض الآخر ينظر بعين الخشية والريبة لطرح الحافز المالي، فيرى ان الوصول الى هذه المرحلة يعني ان التحقيقات والمفاوضات التي حصلت، وصلت الى طريق مسدود ولم يعد امام الدولة سوى هذا الخيار لاظهار اهتمامها بالمسألة اولاً، وتبرئة صفحتها امام الاهالي والمتابعين للملف ثانياً، وابقاء الملف مفتوحاً ومنعه من الانغلاق بشكل تام ثالثاً.
ويعتبر هذا البعض ان هذه الخطوة، تعني ان ما حُكي اخيراً عن وجود مفاوض جدي جديد يعمل على الملفّ لم يؤدِّ الى الغاية المنشودة، ولا يعود السبب في ذلك الى الجانب اللبناني، بل الى "الداعشيين" الذين لا يبدو أنهم قرروا وضع حد لهذا الملف، أقلّه في الفترة الراهنة، او انهم تقدموا بمطالب يعلمون انها مستحيلة او بالمفهوم العام للكلمة: تعجيزية.
وبمعزل عن النظريّات والإيجابيات والسلبيات، تبقى الخطوة الماليّة مشروعة واحدى الوسائل المعروفة عالمياً للتقدم في قضية ما، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بمسألة الخطف والرهائن، ولا شك ان الموضوع لن يكون سهلاً على القوى الامنية التي ستجد نفسها امام "جبل من المعلومات" يجب ان تبحث فيه عن الصحيح منه وترك المغلوط جانباً، لأنّ مثل هذا المبلغ من شأنه ان يجعل الجميع يملكون معلومات حول الموضوع، إنّما وللاسف لن يكون هناك سوى حفنة قليلة او خيوط صغيرة يمكن اعتمادها للتقدم نحو ايجاد حل لهذا الملف الذي طالت معاناته.
قامت الدولة بما عليها، ويبقى ان نعرف ما سيقوم به الناس والخاطفون، وكيف سيكون مردود هذه الجائزة الماليّة، فهل ستشكّل حلاً فعلياً يحمل معه اغلاق ملف العسكريين المخطوفين، ام انه سيزيد المشكلة تعقيداً؟