على وقع الأجواء التفاؤلية التي رافقت إنهاء حالة الشغور الرئاسي، بعد التوافق على إنتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى السراي الحكومي، توقع الكثيرون أن تكون مرحلة الإنقسام السياسي الحاد، التي بدأت في العام 2005 اثر إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، قد إنتهت، لكن ما هي إلا أشهر قليلة حتى عادت الملفات الساخنة إلى الواجهة من جديد، الأمر الذي ينذر بعودة لبنان إلى دائرة الخطر.
في هذا السياق، ترى مصادر سياسية مطّلعة، عبر "النشرة"، أن الخلافات التي رافقت ولادة الحكومة الحالية لم تكن من الأمور الخارجة عن المألوف، إلا أن الإشتباك القائم حول قانون الإنتخاب لا يقلّ خطورة عن إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان من دون إنتخاب خلف له، نظراً إلى أن غالبيّة القوى السياسية تعتبر أن المعركة حول الصيغ المختلفة معركة وجود، بينما رئيس الجمهورية يتمسك بموقفه الرافض لإجراء هذا الإستحقاق الدستوري، إلا على أساس قانون جديد يؤمن عدالة وصحة التمثيل، في وقت يواجه التوافق المحلي حول هذا الملف العديد من العقبات.
وتشير هذه المصادر إلى أن خطر الدخول في فراغ على مستوى السلطة التشريعيّة، أو الذهاب إلى تمديد جديد في ولاية المجلس النيابي، يتزامن مع أزمات أخرى قد تتطال الساحة اللبنانية في المرحلة المقبلة، أبرزها إرتفاع مستوى التوتر على المستوى الإقليمي، بعد تسلّم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب السلطة، وتوضح أن الأخير وضع المواجهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران على رأس قائمة أولوياته، بالتعاون مع بعض البلدان الخليجية التي تنفست الصعداء مع وجود رئيس في البيت الأبيض يتناغم مع توجهاتها.
من وجهة نظر المصادر نفسها، لا يمكن للبنان أن يبقى بعيداً عن هذا التوتّر، خصوصاً أنه يمثل ساحة صراع يشارك فيها لاعبون إقليميون ودوليون، بالرغم من أن المظلّة التي كانت تضع سقفاً للصراعات الداخلية لا تزال قائمة، وترى أن التوجّه الأميركي الجديد على مستوى المنطقة قد يشمل "حزب الله"، في ظل الحملة التي يتعرض لها، بسبب دوره في الأحداث السورية والعراقية واليمنية بشكل رئيسي، لكنها تشير إلى أن الصورة ستكون "مخففة" نوعاً ما، على شكل إستمرار الحصار الإقتصادي وفرض المزيد من العقوبات، إلا إذا قررت إسرائيل الدخول على الخط.
بالنسبة إلى هذه المصادر، لدى تل أبيب الكثير من الأسباب التي قد تدفعها إلى الدخول على المشهد الأمني في الشرق الأوسط، وهي حكماً تضع الجنوب اللبناني على رأس قائمة أهدافها، لكنها تنتظر الفرصة المناسبة للإنتقام بعد الهزائم التي تعرضت لها في السنوات السابقة، وتعتبر أن التوتر القائم في العلاقات العربية الإيرانية قد يكون عاملاً مساعداً على هذا الصعيد، خصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو كان قد تحدث عن تبدّل النظرة إلى بلاده من جانب الدول العربية.
في هذا الإطار تضع المصادر السياسية ارتفاع حدّة التهديدات بين قيادة "حزب الله" والمسؤولين الإسرائيليين في الأيام الماضية، ودخول رئيس الجمهورية على الخط بطريقة مباشرة، حيث سارع إلى الردّ على تهديدات تل أبيب بعد أن كان قد أكّد شرعية المقاومة، وتلفت إلى أن بعض أقطاب قوى الرابع عشر من آذار حاولوا الإبتعاد عن التعرّض له، لكنهم في المقابل ردّدوا الخطابات التي تعبّر عن مواقفهم السابقة، والتي تؤشر إلى عدم رضاهم عما قاله.
بالتزامن، تخلص هذه المصادر بالتشديد على أن الخطر الإرهابي لا يمكن تجاهله، لا سيّما أن التوقيفات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، بشكل شبه يومي، تؤكد أن لبنان ليس بعيداً عن قائمة الجماعات المتطرفة، وتلفت أيضاً إلى عودة المخيّمات الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، خصوصاً بعد الإعلان عن حل اللجنة الأمنية المشتركة، بسبب الخلاف بين حركة "فتح" وقوى التحالف، الأمر الذي قد يكون له تداعيات أمنية خطيرة.
بالإضافة إلى هذه المخاطر، يمكن الحديث عن ملفّ النازحين السوريين والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، لكن بالنسبة إلى المصادر نفسها الأخطر يبقى الصراع الإقليمي، الذي قد يكون له نتائج خطيرة في حال إنتقاله إلى الساحة المحلية، الأمر الذي يتطلب التعامل معه بأعلى قدر من المسؤولية من قبل جميع القوى السياسية.