«قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم إنّ الجواب لباب الشرّ مفتاح والصمت عن جاهل أو أحمق شرف وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح أما ترى الأُسُد تُخشى وهي صامتةً والكلب يخسى لعمري وهو نبّاح» الإمام الشافعي
كان بإمكان زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن أن تتفادى لغط مسألة زيارة المفتي في بيروت ببساطة اعتذارها عن اللقاء عند معرفتها ببروتوكول ارتداء غطاء الرأس عند الزيارة. وكان بإمكانها أيضاً التعبير عن وجهة نظرها حول الحجاب، وحول رأيها بأنه يستعبد المرأة، بأن تخرج إلى الإعلام لتعلن سبب عدم إنجازها الزيارة.
لكنها على شاكلة القادة الشعبويين، من يمين ويسار، من هتلر إلى ستالين إلى شافيز إلى القذافي، آثرت أن تذهب في مسرحيتها إلى الآخر، فتصل إلى باب دار الفتوى لتعلن ختام المسرحية، وهكذا تُحدث ضجيجاً يليق بمقامها.
لا شك في أنّ مسألة تحرّر المرأة هي قضية عظيمة الأهمية على مستوى حرّية الفرد والمساواة بين المواطنين، لكن كل ذلك يأتي بسلّة متكاملة حول المساواة بين البشر عموماً، بغض النظر عن لونهم وجنسهم ودينهم.
وبالتالي فمن حقّ المرأة أن ترفض لبس الحجاب، ومن حقها أن تناضل لمنع فرض ارتدائه بقوة الإرهاب العائلي والإجتماعي وحتى الديني، لكنها في المقابل بمحاولة مارين لوبن فرض منع ارتدائه بقوة القانون، تقمع حرية المرأة التي ترغب بارتدائه لأيّ سبب كان يخصّها هي وحدها.
عندما غيّرت الثورة الفرنسية تاريخ العالم سنة ، صنع فلاسفتها التحرّريون عظمة فرنسا، فيما كان زعماء الشعبوية يتخصّصون بفنون التهريج السياسي المقرون بالخبطات المسرحية التي تدهش الرأي العام، وتجذب الجماهير الغفيرة.
ولكنّ هؤلاء الشعبويين، وفي معظم الأحيان، كانوا يدخلون شعبهم وبلدهم والبلدان المحيطة، وأحياناً العالم في الكوارث. فحروب القرن العشرين المرعبة أتت على خلفية مغامرات زعماء شعبويين، وكوارث المجاعة والمشاريع الإقتصادية الفاشلة أتت من وراء زعماء شعبويين، والقهر والتسلط والإرهاب كلها نتائج حكم زعماء شعبويين، وكلهم يشبهون في مكان ما أمثال مارين لوبن.
لكنّ ثالثة الأثافي فقد كان حديثها عن أنّ الحلّ في سوريا هو إما في بشار الأسد أو في «داعش»! وبالتالي فالمنطق يقول إنها تختار بذلك نظام بشار الأسد وقمعه ونزقه وسجونه التي يذبح فيها المعارضين وبراميله المتفجرة التي تسحق عظام البشر، والقتلة الذين استدعاهم من شذاذ الآفاق لإرهاب الناس!
ما فاتها هو أنّ «داعش» وأخواتها لم تظهر لا في سوريا ولا في العراق، ولا حتى في فرنسا وألمانيا، لولا وجود أنظمة على شاكلة نظام الأسد. وما فاتها هو أنّ إعادة إحياء هذا النظام تعني حتماً إنتاج ظروف لخلق دواعش جديدة في المستقبل.
ولكن ما تعرفه حق المعرفة، هو أنّ «داعش» وأخواتها تتقاطع مصالحها مع ما تمثله «لوبن» في الفكر والسياسة، فكلما زادت وحشية «داعش» المسرحية، كلما زاد تأثير اليمين المتطرف على مزاج الناس في الغرب. وكلما زاد التطرف العنصري عند شعبويّي الغرب، كلما استقطبت «داعش» ومثيلاتها المزيد من الناقمين.
المنطق هو أنّ هناك تقاطع مصالح بين ما تمثله لوبن من تطرف عنصري وما يمثله «داعش» من تطرف ديني.