تنتهي الانتخابات – كل انتخابات – في كسروان فور إعلان اللوائح، وهو ما يجعل النقاشات الجارية اليوم بشأن اختيار المرشحين أهم مما ينتظر هذه الدائرة بعد إقرار قانون الانتخابات ومعركة خيارات القوى والشخصيات السياسية
هناك من «يقتلون أنفسهم» ويدفعون ما تحتهم وفوقهم لحجز كرسي في الباص المتجه إلى المجلس النيابي. لكن لا يكاد الباص يصل، حتى يفاجأ سائقه بهم نائمين، وعبثاً يهزهم من أكتافهم أو يفرغ أباريق المياه فوقهم، فلا شيء يوقظهم.
نواب كسروان ينامون منذ 12 عاماً؛ إحداهم السيدة جيلبرت زوين استفاقت منذ بضعة أيام فقط أنها تحمل بطاقة حزبية، وكان يفترض بالتالي أن تخضع لنظام التيار الوطني الحر في اختيار مرشحيه، وما عادت تعرف الآن ماذا يتعين عليها أن تفعل. أحد زملائها يرفض أن يمنّنه أحد بانتخابه نائباً، ويقول إنه سيواصل الترشح، سواء تبنى التيار الوطني الحر ترشيحه أو لا، علماً بأن أداء هؤلاء النواب هو ما يجعل المسرح الانتخابيّ الكسروانيّ مربكاً بهذا الشكل، إذ يقول معظم المستطلعين إنهم مع العماد ميشال عون، ولكن... ومع التفاهم المسيحيّ، ولكن...
المحبون للتيار لا يقارنون نواب قضائهم بالنواب السابقين، إنما بالنواب العونيين في الأقضية الأخرى، حيث يوجد دائماً نائب واحد على الأقل يضع جزءاً من ثروته في تصرف التيار، ونائب آخر ينشط خدماتياً، ونائب ثالث لا يكلّ سياسياً، فيما النواب الأربعة هنا يغرقون في سبات عميق. ويكفي، لتكوين انطباع جدي عما تشهده هذه الدائرة، أن يُخبر وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور سائليه أن النائب السابق منصور البون طلب منه أكثر من ثمانية آلاف خدمة، فيما لم يراجعه أي من النواب الأربعة بخدمة واحدة.
المرشحون العونيون الجدد ملأوا جزءاً كبيراً من الفراغ في فتوح كسروان، فيما التيار قوي في جونية وذوق مكايل وذوق مصبح، ولا أحد يزاحم أحداً في ما يعرف بوسط كسروان، لكن الأزمة الحقيقية بالنسبة إلى التيار هي في المنطقة التي يصفها البون بـ»مربّع الشر» لقدرتها على إسقاط لائحة كاملة، وهي تضم ميروبا وفاريا وحراجل وكفرذبيان، ويمثلها في المجلس النيابي منذ 12 عاماً النائبان يوسف خليل وفريد الياس الخازن. وهو مربع ساهم في صناعة الانتصارات العونية في كسروان، ويمكن وصفه بالخزان العونيّ المهم. لكن النائب السابق فريد هيكل الخازن لا يملّ من أن يصول ويجول فيه من الثامنة صباح كل يوم حتى منتصف الليل. وبموازاة استنفار الخازن، يسجل هنا ضعف متمادٍ وغياب لنائبَي المنطقة، وخصوصاً خليل الذي كان يمثل عائلته ومنطقته والرأي العام المستقل المعجب عادة بالنواب الأطباء، لكنه أطاح هذه جميعها، الواحدة تلو الأخرى. وعليه، هناك جو عام يوحي بحتمية ذهاب العونيين إلى لائحة جديدة بالكامل لمصالحة الناخبين الذين خيب النواب آمالهم.
هنا تظهر الأزمة الحقيقية. حتى الآن، لا أحد يعلم من سيشكل لائحة التيار في كسروان: العميد المتقاعد شامل روكز المرشح في هذه الدائرة أم رئيس التيار الوزير جبران باسيل، أم الرئيس ميشال عون؟ فهناك، عملياً، تفاوت كبير في الخيارات الثلاثة، وهو ما يربك القاعدة العونية والمرشحين بطبيعة الحال. العماد عون يتأثر باستطلاعات الرأي، لكنه لا يتوقف عندها وهو سيقول «هاتوا لي المرشحين الثلاثة الأوائل من حيث القدرة التجييرية بعد التيار الوطني الحر والقوات». أما روكز فيتأثر بالموضة، وهو «يشنغل» الوزير السابق زياد بارود موحياً في أحاديثه بأن بارود سيكون مرشحاً إلى جانبه. في المقابل، للوزير جبران باسيل حسابات أخرى، فكما يعجب روكز ببارود، يبدي باسيل إعجابه بنعمة أفرام، علماً بأن حليف التيار الأبرز في كسروان اليوم هو رئيس اتحاد بلديات كسروان جوان حبيش الذي لم يبذل كل الجهد الذي بذله في الانتخابات البلدية الأخيرة ليطيح هالة أفرام من أجل أن يرى نفسه ملزماً الآن بخوض معركة النيابة إلى جانب أفرام لتكريس زعامة الأخير. وعليه، ثمة اليوم اسم ثابت واحد على اللائحة العونية هو روكز، ولا أحد يعلم إن كان الثاني بارود أو أفرام، أو سيصار إلى الاستغناء عن الاثنين.
لكن العودة إلى الأوزان تستلزم القول إن روكز من خارج القضاء، فيما شوقي الدكاش، المرشح القواتي المفترض، من فتوح كسروان. وينتظر أن يختار التيار بديلاً من زوين من الفتوح أيضاً. وسواء كان أفرام أو بارود هو المرشح الثالث على هذه اللائحة، فإنهما من الساحل الكسرواني أيضاً، ما يعني أن الجرد الذي تؤكد جميع الأرقام أنه قادر على إطاحة لائحة ونصرة أخرى ليس لديه سوى مرشح واحد، فيما هو ممثل بنائبين اليوم ولا يعجبه الأمر، علماً بأن الأخبار المتداولة تشير إلى تفضيل روكز الإبقاء على النائب فريد الياس الخازن الذي نشط في تنظيم المؤتمرات وورش العمل الإنمائية، وربما متابعة الملفات الكبيرة. لكن شخصيته الأكاديمية تجعله أبعد ما يكون عن طلبات الناخبين شبه اليومية ومشاكلهم الكثيرة في هذه المنطقة. وعليه، فإن لائحة تضم روكز والخازن وبارود وأفرام (أو الدكاش) وطوني عطاالله (أو روجيه عازار) هي لائحة جميلة ومتجانسة إلى حد كبير، لكنها تستند إلى رافعتَي التيار والقوات فقط. ولا شك بالتالي أن تعلّم البون وفريد هيكل الخازن من كل دروس العماد ميشال عون وضمهما ثلاثة مرشحين إلى لائحتهما يتمتعون بقدرة تجيير صغيرة، لكن حقيقية يمكن أن يحدث فرقاً، وخصوصاً أن أرقام جميع الاستطلاعات تؤكد أن الالتزام بلائحة العونيين والقوات كاملة لا يمكن أن يتجاوز سبعين بالمئة، ولدى التدقيق في أجوبة المستطلعين في استطلاعات الرأي في كسروان (التي يجريها ربيع الهبر مثلاً)، يتبين أن أكثر من 18 في المئة ممن يقولون إنهم سينتخبون فريد هيكل الخازن في الانتخابات المقبلة يؤيدون القوات اللبنانية، بالرغم من كل الخصومة والتناقض في المواقف السياسية بين الخازن ومعراب. والدراسة نفسها تبين أن نحو 25 في المئة ممن يقولون إنهم سينتخبون الخازن عونيون، علماً بأن الدراسات المفصلة تبيّن أن النسب العالية التي ينالها بارود مثلاً لا تأتي من الهواء إنما 41.24 بالمئة ممن يسمون بارود عونيون و14.42 قوات لبنانية، ولا شك في حال توافق القوات والعونيين على إقصاء بارود، فإن رقمه سيتراجع. وفي النهاية، هذا البحث كله يدور في فلك الستين، أما في حال اعتماد النسبية فستختلف أمور كثيرة لأن روكز مؤهّل ليحوز النسبة الأكبر من الأصوات التفضيلية العونية، ولا أحد يعلم إن كان التيار الوطني الحر سيقبل أن يتقاسم المقاعد الثلاثة التي تبقيها النسبية له مع القوات اللبنانية التي لا تملك بعد الحجم اللازم لتتمثل بنائب لولا عطف التيار عليها وكرمه.