مهمة مقدمات الأخبار في الأساس التعريف المختصر بالأخبار الواردة في النشرة الاخبارية. هذا هو حال الإعلام الغربي. في لبنان تشكّـل مقدمات الأخبار مادة سياسية تستخدمها القنوات اللبنانية لتوجه عبرها خطابها حول الأحداث المستجدة وآفاق التطورات المرتقبة. وهي تستخدم أحيانا الإثارة وقد تتضمن الترويج السياسي الذي يحظره القانون. كما قد تخالف موضوعيا مبدأ موضوعية الأخبار وتشكّـل مادة ايحاء سياسي وتوجيه استباقي للمتلقي بحيث تضعه المقدمة في مناخ تحضيري للتعامل بخلفيات مسبقة مع كل ما يلي المقدمة من أخبار وهذا يناقض احترام حق المشاهد في المعرفة النزيهة بالأحداث وبتكوين رأيه المستقل...
لبنان ينفرد بهذه الظاهرة التي باتت تقليدا ثابتا يتعزز بفعل المنافسة بين القنوات الوطنية واحتدام الصراع السياسي. ماذا يعني هذا الكلام.
إثارة في الصياغة وايراد تعابير تحريضية في المقدمات تغذي التوتر والإحتقان في المجتمع. وهنا تقع مسؤولية مدراء الأخبار في تدقيق النصوص مهنيا وقانونيا بما يراعي الأحكام المرعية ويناسب المصلحة الوطنية بقدر ما يحترم الطابع المتعدد للرأي بحيث أن أي تقييم خاص بالمؤسسة المرئية في المقدمة ينبغي الإستنتاج بأنه رأي القناة وموقفها وليس جزءا من سياق التطورات والأحداث.
الترخيص الذي يعطى لمؤسسة مرئية يجيز لها استعمال الهواء السياسي وهو مرفق عام وعليها مراعاة مقتضيات هذا الترخيص كون الشاشة تدخل إلى كل بيت من دون استئذان. ومن هنا الإختلاف بين الإعلام المرئي والمكتوب. في الإعلام المكتوب العلاقة شخصية وبالتالي يجوز فيها الرأي السياسي. أي هناك مقالات الرأي والإفتتاحيات. في الصحافة المرئية التي تستخدم المرفق العام الذي هو ملك الدولة ما يجيزه القانون هو الإختلاف في أسلوب ايصال الخبر لا في توجيه الخبر وتحميله الرأي السياسي للمؤسسة أو تلقينه الرأي. غالبا ما تصادر المقدمات الاخبارية حق المشاهد في المعرفة وتمييز عناصر الخبر عن المواقف السياسية.
في القانون : لا يحق للمؤسسة الإعلامية في مقدمات الأخبار أن تلحق اسم جهة سياسية بنعت ينطوي على مواقف ولا أن تعمم تسمية تشوهه لجهة معينة في صلب الخبر تخالف التسمية المعتمدة من قبل الجهة المستهدفة ولا يحق لها أن تعرض واقعة أو حادثا فتلصق في العبارة نفسها ايحاء اتهاميا بحق جهة سياسية معينة ولا يحق لها وفق القانون أن تدخل على خط التعامل مع قضايا أو ملفات قيد النظر لدى القضاء.
لقد رسم القانون المرئي والمسموع ومعه دفاتر الشروط ما ينبغي على المؤسسة المرئية والمسموعة مراعاته في النشرات الاخبارية ومقدماتها. فالمادة الثالثة من القانون اعتبرت أن الإعلام المرئي والمسموع حر ولكن ربطت ممارسته بالتقيد بالدستور والقوانين المرعية واشترطت الأمور الآتية :
التقيد بالموضوعية.
دقة المعلومة وصحتها.
المصدر الموثوق.
الشفافية.
عدم الإثارة الطوائفية أو السياسية.
المحافظة على النظام العام.
احترام الشخصية الإنسانية وحرية الغير وحقوقهم والطابع المتنوع للتعبير عن الأفكار والآراء وموضوعية بث الأخبار والأحداث.
عدم القدح والذم.
تأمين التعبير عن مختلف الآراء.
سلامة الإقتصاد والنقد الوطني.
التمييز بين ما هو إخباري موضوعي من جهة وبين ما هو دعائي وترويجي من جهة أخرى.
شدد القانون المرئي والمسموع على أن الملكية في المؤسسة المرئية لا ينبغي أن تتجاوز نسبة 10% من الأسهم للشخص الطبيعي أو المعنوي حتى لا تتحوَّل المؤسسة إلى ملكية شخصية أو عائلية أو مناطقية أو طوائفية. ومن هنا عند إعطاء الترخيص تراعى التعددية الطوائفية والمناطقية.
وفي متابعة الأداء الإعلامي يمكن للمراقب أن يلاجظ أن اللجوء في المقدمات الاخبارية إلى الإثارة مرده محاولة المؤسسة توسيع جمهورها ورفع نسوب الإعلان. ذلك أن القانون يحصر المصادر المالية بأمرين : الإعلان والصناعة الدرامية. وحقيقة الأمر أن هذين المصدرين لم يعودا قادرين على تأمين مصاريف أي مؤسسة مرئية. والسبب تعدد المؤسسات المرئية في كل طائفة بحيث أن هناك تنافسا حادا على جمهور كل طائفة. هذا أولا. ثانيا المردود الإعلاني في العام 2016 لم يتجاوز 40 مليون دولار على ثماني مؤسسات مرئية لبنانية. كما أن الصناعة الدرامية تكاد تقارب في مردودها الصفر بحكم المنافسة الخارجية. وهذا يعني أن الإثارة الطوائفية والسياسية والغرائزية لا تحمل على المدى البعيد حلا للمؤسسات المرئية. ولهذا السبب نشهد حاليا تراشقا إعلاميا متزايدا بين هذه المؤسسات. وهذا مؤشر على أن الإعلام المرئي اللبناني مستقبله مظلم ويفترض البحث عن مخارج وعن رؤية إعلامية من جانب الدولة اللبنانية. فهل من قبيل المصادفة أن يتراجع الإعلام المرئي اللبناني إلى مرتبة ثالثة ورابعة عربيا بعد أن كان يحتل الموقع الأول ؟
بالمناسبة سأطرح عليكم نموذجا من المقدمات الاخبارية ليوم 15 آب 2012. وهو يوم كان مشحونا بالتوتر الشديد في الشارع وخلق حالة من البلبلة والتشنج والقلق العام نتيجة بث أخبار عاجلة حول مصير المخطوفين اللبنانيين في سوريا من خلال المراسلين وعبر تصريحات على الهواء مباشرة لمتحدثين قيل أنهم من المجموعات الخاطفة وقدموا أنفسهم للمشاهدين بهذه الصفة. نسبت بعض المؤسسات المرئية معلومات عن مقتل المخطوفين اللبنانيين الأحد عشر نتيجة قصف جوي تعرضت له منطقة أعزاز.
أدّى بث الأخبار إلى حالة من الغليان وتحرك جمهور غاضب نحو طريق المطار لقطعها.
اتضح بعد ساعات من البلبلة والتوترات أن الخبر غير صحيح وصدرت تصريحات رسمية تؤكد أن المخطوفين اللبنانيين بخير ولم يصابوا بأي أذى.
أثارت هذه البلبلة الإعلامية وما نتج عنها انتقادات شديدة من الجمعيات الأهلية والمنتديات الإعلامية وأثيرت القضية في الصحف وكانت موضع تداول واسع ومراجعات عديدة من هيئات ومرجعيات روحية.
وأحيلكم على تقرير خاص صادر عن المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع متعلق بكيفية تعاطي وسائل الإعلام في النشرات الاخبارية ومقدماتها حول قضية المخطوفين من الجيش اللبناني وقوى الأمن في 9 كانون الأول من العام 2014. وجاء خبر العسكريين المخطوفين كخبر أول في معظم مقدمات الأخبار.
وتبين من خلال الرصد أن هناك بعض الوسائل الإعلامية شككت بعمل الحكومة في هذا الخصوص وبالتحديد دور خليّة الأزمة. وفي إطار آخر جرى التعاطي مع توقيف سجى الدليمي وعلا العقيلي بشكل ملتبس ، فهناك وسائل إعلامية قالت بأن إحداهما (الدليمي) ستبقى موقوفة والأخرى سيتم الإفراج عنها.
أخيرا المقدمات الاخبارية في طابعها ’’الشعري والجمالي‘‘ غالبا ما توقع المشاهد في حيرة بحيث أنه يلتبس عليه معرفة المعلومة الحقيقية والوصول إلى الحقيقة التي هي غاية الإعلام أساسا.