إستقرار سياسي، إستقرار أمني، إستقرار نقدي. هذا الإستقرار المثلث الأبعاد لا يمكن أن يفقد ضلعاً من أضلعه الثلاثة وإلا يفقدها كلها.
وكلّما ضَعُفَ ضلعٌ من هذه الأضلع الثلاثة كلما أثَّر سلباً على الضلعين الآخرين:
مثال على ذلك، حين وقع لبنان في الفراغ الرئاسي من 25 أيار 2014، حتى 30 تشرين الأول 2016، إهتزَّ الإستقرار السياسي فكاد الإستقرار الأمني أن يضعف، ولاحت مخاوف على الإستقرار النقدي، إلى درجة أنَّه ضُربت مواعيد لانهيار العملة الوطنية.
جرى ترتيب الإستقرار الأمني من خلال التنسيق الذي قاده وزير الداخلية نهاد المشنوق وسهره على تطور الأوضاع، ومن خلال وعي المؤسسات العسكرية والأمنية، من قيادة الجيش، إلى قوى الأمن الداخلي، إلى الأمن العام، إلى أمن الدولة، على أن تصدر التعيينات الجديدة الأسبوع المقبل.
***
أما المخاوف على الإستقرار النقدي فكان السد المنيع في وجهها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
اليوم، اللبنانيون ينعمون بالإستقرار النقدي، فليرتهم لم تهتز، ومصارفهم لم تتعثر، وتصنيف المؤسسات المالية الدولية للبنان لم يتبدّل، لا بأس من التذكير بهذه النِعَم، وهي لم تكن لتتحقق لو لم يكن على رأس القرار المالي في لبنان شخصٌ إسمه رياض سلامة.
ما أسهل الإنتقاد، وما أصعب أن يُسلِّم الآخرون بنجاح شخص، خصوصاً إذا كانوا ينافسونه أو يطمعون بمنصبه، وهُم لا يعرفون أنَّ المناصب تكون أحياناً كرة نار، على حاملها أن يحمي البلد من جمراتها وأن يحمي نفسه من الإحتراق.
تلك هي حال رياض سلامة، كان عليه أن يقاتل على عدة جبهات:
جبهة المحافظة على استقرار العملة الوطنية.
جبهة التعاطي مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
جبهة التعاطي مع وزارة الخزانة الأميركية وطلباتها وشروطها.
وجبهة المحافظة على القطاع المصرفي اللبناني من أيِّ اهتزازٍ من جراء المطالب والشروط.
***
أربعُ جبهات ومقاتل واحد، في بلدٍ وسِم بأبشع النعوت:
من تبييض الأموال، إلى أموال الإرهاب، إلى التهرب الضريبي، إلى الفساد في الإدارات والتلزيمات والمزايدات والمناقصات.
تصوروا لو أنَّ الفساد نخر في مصرف لبنان كما نخر في سائر الإدارات والقطاعات، فماذا كان حلَّ بالبلد؟
يُعيبون الهندسات المالية التي نجح في تحقيقها، ما هي البدائل منها؟
الذين عابوا هذه الهندسات، ألم يلاحظوا أنَّ الحكومة اللبنانية قامت بشيء مشابه لتأجيل استحقاقات مالية لا قدرة لها على سدادها في الوقت الراهن؟
***
الحكومة فوضت إلى أربعة مصارف، ترتيب إصدار سندات دولية ستطرح في الثلث الأخير من هذا الشهر، وهذه المصارف هي:
باركليز، جي بي مورغان، بيبلوس، سوسيتيه جنرال.
أليست هذه هندسة مالية بتسويق سندات لجمع نحو مليار وخمسمئة مليون دولار، لسداد استحقاق سندات بالقيمة ذاتها؟
هل من بديل لهذه الآلية التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية والتي تُنصِف حاكم مصرف لبنان في أدائه؟
***
يا سادة،
كفوا عن جلدِ الذات، إحفظوا نعمةَ ثلاثية الإستقرار، فلولاها لكان لبنان بلداً يُفتِّش عن نظام واستقرار وعملة.