مع كل إدارة أميركية جديدة تصل إلى البيت الأبيض، عقب كل انتخاب لرئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية، يعود النقاش حول ماهية سياسة واشنطن اتجاه الصراع العربي الصهيوني، وفي القلب منه القضية الفلسطينية، كما يعود إلى الواجهة سؤال قديم جديد حول جدوى الرهان على سياسة أميركية غير منحازة إلى جانب «إسرائيل» وتدعم حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية يقود إلى تحقيق مطالب الحد الأدنى للشعب الفلسطيني المتمثلة بإقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها سنة 1948.
لا شك بأن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي سارت في اتفاق أوسلو الموقع عام 19933، اعتمدت في سياستها على هذا الرهان على الإدارات الأميركية المتعاقبة للوصول إلى هدف إقامة الدولة الفلسطينية، وشهدنا في السنوات الأخيرة كيف أن الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتانياهو قد أوغلت في سياسة القضاء على هذا الرهان من قبل منظمة التحرير، وذلك عبر مواصلة قضم الأراضي الفلسطينية، وبناء المستعمرات، وبناء الجدران العازلة والطرقات الالتفافية التي تفصل المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض وتحولها إلى ما يشبه السجن الكبير، على غرار نظام الفصل العنصري الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا سابقاً.
وتعمل حكومة نتانياهو على مواصلة هذا المشروع التهويدي للأراضي الفلسطينية من دون أن تعر موضوع حل الدولتين أي اهتمام، لا بل أدارت الظهر للمطالبات الأميركية في عهد إدارة اوباما وكذلك للمطالبات الغربية من اجل التوقف عن هذه السياسة التي تقضي على حل الدولتين وتقود إلى تأجيج الصراع. ومن المعروف أن أخر المحاولات الأميركية التي بذلتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل رحيلها، كانت القمة التي رعاها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في مدينة العقبة الأردنية وجمعت، إلى كيري، كل من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو، والملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، غير أن نتانياهو تذرع بعدم القدرة على السير في الحل، الذي طرحه كيري، بأنه يواجه معارضة من داخل حكومته لحل الدولتين، عارضاً حلاً بديلاً يقضي بالاعتراف في البناء في الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة والقدس، مقابل السماح للفلسطينيين في البناء في المنطقة ج من الضفة الغربية.
إذا كانت قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير تراهن في السابق على إدارة اوباما للضغط على الكيان الصهيوني لتحقيق حل الدولتين، مع أن هذا الرهان لم يؤد إلى أي نتيجة عملياً، فكيف والحال بعد مجيء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن بوضوح، خلال القمة التي جمعته مع نتانياهو، تخلي واشنطن عن دعم حل الدولتين وعدم الممانعة بالتوصل إلى أي حل آخر يرضى به كلا الطرفين، الأمر الذي شكل هدية كبرى لسياسة الحكومة الصهيونية، ووضع قيادة السلطة الفلسطينية أمام مأزق كبير، وهو سقوط مدوٍ لخيارها السلمي الذي قام في الأصل على أساس الرهان على الموقف الأميركي.
لذلك فإن الشعب الفلسطيني وقواه الحية ليس أمامهم من خيار، للحفاظ على الحقوق وإحباط مخطط تصفية القضية الفلسطينية، إلاّ العمل على بلورة اطار وطني تحرري يضم كل من هو مؤمن بخط المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين، ولا يريد أن يفرط بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهذا الإطار وبهذا المضمون هو السبيل الحقيقي لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية الفعلية، وانتزاع زمام المبادرة للنهوض بالنضال الوطني التحرري، واستنهاض الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وإعادة إحياء التضامن العربي والإسلامي والدولي إلى جانب القضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطيني.
من هنا فان الخروج من حالة التشرذم والمراوحة في المكان، والعمل على التصدي للهجوم الصهيوني المتمادي على الشعب والأرض الفلسطينية، على حد سواء، إنما يكون بالاقتناع بعقم الرهان على الحلول السلمية مع المحتل الصهيوني الغاصب، وعدم التردد بالمسارعة للعمل على أخذ زمام المبادرة لإعادة بناء اطار وطني فلسطيني تحرري قادر على قيادة كفاح المقاومة والانتفاضة ضد العدو.