على وقع المشاورات والإتصالات السياسية التي رافقت مؤتمري الآستانة وجنيف، بين الحكومة والمعارضة السورية، أدت التطورات العسكرية، من الباب إلى تادف وتدمر وصولاً إلى منبج، إلى رسم معادلة جديدة ستفرض نفسها بقوة على المعارك المستقبلية وكامل الملف السوري.
بعد نجاح الجيش في إنهاء العمليات العسكرية في مدينة حلب الإستراتيجية، التي تعتبر العاصمة الثانية للبلاد، توجهت الأنظار إلى مؤتمر الآستانة الأول، الذي عقد برعاية روسية تركية إيرانية، نتيجة تطور العلاقات بين أنقرة وموسكو على نحو غير مسبوق، في حين كانت الولايات المتحدة غارقة في إنتخاباتها الرئاسية، لكن تركيا عادت إلى الإبتعاد عن هذا المسار بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، على أمل أن يساعد ذلك بالحصول على المزيد من المكاسب، في ظل العدائية التي يعامل بها سيد البيت الأبيض الجديد الجمهورية الإسلامية في إيران.
ما تقدم، قاد إلى التوتر الذي شهدته العلاقة بين أنقرة وطهران في الفترة الأخيرة، حيث تبادل الجانبان الإتهامات والتهديدات، لكن على أرض الواقع كانت واشنطن تدرس خطة جديدة لمحاربة الإرهاب، في حين كانت الفصائل المدعومة من تركيا تسيطر على الباب، بينما نجح الجيش السوري في إستعادة السيطرة على تادف والتمدد نحو منبج، بشكل يقطع طريق الرقة أمام عملية "درع الفرات"، وأيضاً على مدينة تدمر الاثرية التي كان "داعش" قد دخل إليها مجدداً قبل ما يقارب 3 أشهر.
من وجهة نظر مصادر متابعة لمسار العمليات العسكرية، ما حصل في الميدان لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، خصوصاً بعد أن أقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التلميح بإمكانية التعاون مع الجانب الروسي في الحرب على "داعش"، في مؤشر إلى أن المقصود تحرير الرقة، في ظل غياب التفاهم بين أنقرة وواشنطن حول هذه النقطة، نظراً إلى أن الأخيرة لا تزال تُصر على مشاركة "قوات سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، في هذه العملية، بينما ترفض الأولى هذا الأمر بشكل مطلق.
في المقابل، توضح المصادر نفسها، عبر "النشرة"، أن وصول الجيش السوري إلى مشارف منبج فتح باب التعاون مع الأكراد، الأمر الذي تُرجم من خلال إعلان "مجلس منبج العسكري" عن تسليم القرى التي تقع على تماس مع الفصائل المنضوية في عملية "درع الفرات" إلى الجانب السوري، بعد الوصول إلى تفاهم مع موسكو حول هذا الموضوع، بعد أن كانت أنقرة دفعت تلك الفصائل إلى فتح جبهة مع "قوات سوريا الديمقراطية" لطردها من منبج.
من وجهة نظر هذه المصادر، السيطرة على تادف والوصول إلى منبج بالإضافة إلى إستعادة تدمر، التي قد تكون مقدمة نحو الذهاب إلى السخنة، تفتح الباب أمام الجيش السوري ليكون لاعباً أساسياً في معركة الرقة، بعد أن كانت واشنطن رفضت طلباً روسياً للتعاون في هذه العملية قبل فترة قصيرة، وتضيف: "اليوم أردوغان يعرض التعاون مع موسكو بعد أن لمس أن الولايات المتحدة تفضل الأكراد عليه، في حين أن "قوات سوريا الديمقراطية" تفضل التعاون مع دمشق على التعاون مع أنقرة، وما حصل في منبج دليل على ذلك".
على هذا الصعيد، تؤكد مصادر مطلعة، لـ"النشرة"، أن الولايات المتحدة لا تعارض التعاون أو التنسيق بين الأكراد ودمشق، بينما هذا الواقع سيدفع أنقرة إلى التصعيد ضد "قوات سوريا الديمقراطية" على جبهات أخرى، منها تل رفعت وعفرين، وترى أن ما يحصل يأتي في سياق التنافس على مناطق النفوذ ورسمها بين كافة اللاعبين، للتحضير نحو المرحلة المقبلة التي ستفتح فيها معركة الرقة على مصراعيها، الأمر الذي يتطلب تحديد المشاركين فيها أولاً قبل أي شيء آخر، لكنها تجزم بأن المسار السياسي لن ينجح في تحقيق أي نتيجة قبل وضوح الصورة في الميدان العسكري.
في المحصلة، لا يبدو أن المشاورات السياسية قادرة على تحقيق أي تقدم في الوقت الراهن، بانتظار معرفة التوجهات التي ستكون لدى الإدارة الأميركية، التي لم تتحدث حتى الآن إلا عن مشروع المناطق الآمنة، في حين يسعى كافة اللاعبين للحصول على المزيد من المكتسبات في الميدان العسكري.