نجح جنيف 4 بالشكل، وهو انجاز بحد ذاته مقارنة بالمفاوضات السورية-السورية السابقة والتي كانت تفشل حتى شكليا حين كان يتم تسجيل انسحاب لطرف او انهيار للمحادثات من دون سابق انذار. هذه المرة استمرت النقاشات، وان بقيت غير مباشرة بين وفدي النظام والمعارضة حوالي تسعة أيام وقد خرج الطرفان شبه راضيين عن حصيلة الاجتماعات، حتى أنّه تم الاتفاق على جدول أعمال من 4 نقاط سيتم البحث فيه في جنيف 5.
حققت الحكومة السوريّة ما أرادته باضافة "مكافحة الارهاب" كجزء من الملفات الأساسية الواجب حسمها خلال المفاوضات، والمعارضة بدت مطمئنة لموافقة النظام على ادراج بند الانتقال السياسي على أجندة المفاوضات المقبلة. لم يعنيها كثيرا ان تكون موافقة الحكومة السورية جاءت بناء على ضغوط روسية او ان تكون مجرد موافقة شكلية، فقد أدّت قسطها للعلى في هذه الجولة على أن تخوض المواجهة من جديد في الجولة المقبلة. أما النظام من جهته فغير مقتنع بجدوى كل العملية السياسية بالوقت الراهن، وتراه يصب كل اهتماماته على جبهات القتال، ان كان في تدمر حيث استعاد المدينة بالكامل تمهيدا لشن هجوم على منطقة السخنة، على أن ينطلق منها لفك حصار دير الزور، أو في حلب، حيث يخوض مواجهات حاسمة يسعى خلالها الى قطع الطريق على قوات المعارضة المدعومة من أنقرة والتي تنوي التوجه الى الرقّة، بالتزامن مع العملية العسكريّة المستمرة في ريف حلب الغربي بمحاولة لتوسيع نطاق سيطرته بريف دمشق.
لا النجاح الشكلي لجنيف ولا التقدم الذي يحققه النظام في أكثر من منطقة، من شأنه أن يقطع الطريق على مشروع اقليمي-دولي بات يتبلور أكثر من أي وقت مضى يقضي بتقسيم سوريا الى مناطق نفوذ ما بين اميركا وتركيا وروسيا وايران والأردن وحتى اسرائيل! وبغض النظر عما اذا قرار تقسيم سوريا اتخذ او لا يزال قيد البحث، الا ان "مناطق النفوذ" تحولت أمرا واقعا بعدما تم رسم الخطوط الحمراء حولها ان كان من خلال نشر واشنطن قبل أيام مدرعاتها في منبج بوجه القوات التركية، او عبر دخول الاردن مجددا على خط العمليات في الجنوب السوري، او من خلال التعاون غير المعلن ما بين النظام السوري والأكراد عبر الوسيط الروسي لقطع الطريق على قوات "درع الفرات".
وتعتبر مصادر معنيّة بالملف السوري ان طالما واشنطن لا تزال بعيدة عن طاولة المفاوضات إن كان في آستانة أو جنيف، فالحل السياسي للأزمة السورية لا يزال بعيد المنال، لافتة الى ان ذلك لا يعني ايضا عدم تبلور خطة الادارة الأميركية الجديدة للتعامل مع الملف السوري، وأصدق تعبير على ذلك حركة الموفدين العسكريين الأميركيين في المنطقة التي لا يمكن حسم هدفها قبل أسبوعين أو ثلاثة.
وفي خضم هذه المعمعة يُطل زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني ليُذكر العالم بأن من يقاتل النظام في سوريا، ليس هو من يفاوضه في جنيف! فيعيد بذلك الأمور الى نقطة الصفر. المعارضة المعتدلة تطمح لانطلاق العملية السياسية من سويسرا، فيما المتشددون يعدّون لعمليات تشبه تلك التي استهدفت المقار الأمنية في حمص الاسبوع الماضي، وللقضاء على ما تبقى من "الجيش الحر" في الداخل، ليبقى بذلك الجحيم السوري ملتهبا وسيارات الاطفاء ورجالها مفقودون!