حين يقول وزير الخارجية جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، إنَّ قانون الإنتخابات هو أهم من العهد، فهذا تفسيره في السياسة أن التيار لا يمانع في الوصول إلى الفراغ، وفي تطيير النظام إذا لم يتم التوصّل إلى قانونٍ جديدٍ للإنتخابات النيابية يدفن قانون الدوحة، المنبثق من قانون الستين، إلى غير رجعة.
الوزير جبران باسيل، وقبله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لم يكن يمزح حين قال إنَّه بين قانون الستين وبين الفراغ فإنَّه يختار الفراغ.
الموقفان هما في حقيقة الأمر موقفٌ واحد، ويُخطئ مَن يعتقد بأنَّ هناك تبايناً بين الرئيس عون والوزير باسيل، فالقرار يُتّخَذ في بعبدا، والتنفيذ على المعنيين، أما الحدَّة والسلاسة في التعبير فليست سوى أسلوب لا أكثر ولا أقل.
في هذه الحالة، ماذا يمكن أن يحصل؟
في هذا التصعيد، وهذا الوقوف عند حافة الهاوية، لا يملك الآخرون سوى احتمالٍ من اثنين، إما المواجهة على قاعدة أنَّ الستين هو أفضل من الفراغ، وإما العمل بأقصى جهد لإنتاج قانونٍ جديدٍ للإنتخابات يراعي صحة التمثيل:
الستين لن يسير به رئيس الجمهورية حتى ولو كان الثمن انهيار المؤسسات، هل بإمكان أحد أن يتصوَّر المشهد أو السيناريو الذي يمكن أن يحصل؟
يقول أنصار تطيير الستين إنَّ هذا القانون يُلغي ثلاثين في المئة من أصوات المسيحيين، لأنَّهم موجودون في دوائر إنتخابية يأتي فيها النائب المسيحي عبر الناخب غير المسيحي، والقانون الجديد الذي يجب أن يتم التوصل إليه هو الذي يعيد الإعتبار إلى هذه الثلاثين في المئة. لكن القانون الجديد دونه عقبات وعثرات:
فقانون النسبية الكاملة مطروحٌ من حزب الله ومرفوضٌ من تيار المستقبل.
والقانون المختلط مطروحٌ من تيار المستقبل، ولا رفض له بالمطلق من حزب الله.
وقانون الستين مرفوضٌ من الجميع علناً، لكنَّه مقبولٌ من النائب وليد جنبلاط.
والقانون الأرثوذكسي مقبولٌ من التيار الوطني الحر، لكنَّه مرفوضٌ من حزب الله.
إذا تمت جوجلة ما سبق من مقترحات، فإنَّ أيَّ متابعٍ يجد أنَّ القانون المختلط هو الأقرب إلى القبول من أكثر من جهة، لكن الألغام قد تكمن في التفاصيل، فما يرضى به فريق يرفضه الفريق المقابل.
هنا يُطرَح السؤال الكبير من خارج السياقات المطروحة:
هل مفاعيل التسوية والتهدئة بين القوى الإقليمية والتي أفضت إنهاء الفراغ في سدة الرئاسة، وأتاحت تشكيل الحكومة، قد انتهت؟
وهل البلد على أبواب تلقّي مضاعفات التصعيد الخارجي وانعكاساته على الداخل؟
من السابق لأوانه القفز إلى هذا الإستنتاج، لكنَّ أيَّ مراقبٍ يستطيع أن يلاحظ أنَّ الهدنة خدمت من انتخاب الرئيس حتى تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، وبعد ذلك يظهر أنَّها انتهت.
فهل المطلوب أو المسموح أن يكون لبنان في هدنة وليس في استقرار، إلى حين معرفة على أيِّ شاطئ سترسو سفينة المنطقة؟