على الرغم من انشغال الساحة السياسية بمواضيع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب والتعيينات الأمنية والعسكرية، فإن طيف قانون الانتخاب لم يغب من خلف الكواليس، وإن كان الكلام عنه قد تراجع بعض الشيء لفقدان أي معطى جديد من الممكن التداول فيه ويؤدي إلى إحداث تغيير في الواقع السياسي الحالي، وقد أخذت الاتصالات الجارية بشأنه طابع المد والجزر الذي لا يحتمل معه أي جديد بهذا الخصوص، وهو ما أكّد عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أكّد امام زواره مساء أمس أن لا جديد على مستوى المشاورات بشأن قانون الانتخابات وأن المواقف لا تزال على حالها، وأن الخوف ممن هو أعظم ما زال مبرراً، غير انه يميل إلى التفاؤل بأن «السلسلة» ستقر عاجلاً أم آجلاً، لأنه لم يعد باستطاعة أي فريق سياسي التهرب من الواقع الموجود.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية مطلعة على مسار الاتصالات والمشاورات الجارية بشأن إنتاج قانون جديد للانتخابات، أن الحركة الجارية بهذا الخصوص ما تزال بلا بركة وهي لم تتمكن من إحراز أي تقدّم يذكر، لا بل إن ما يحصل لا يخرج عن إطار التخبط والارتباك حيث ما إن يُرصد تقدّم خطوة إلى الامام فإنه سرعان ما يُسجل تراجعاً خطوتين إلى الوراء وهو ما يبعث على الخوف من أن نكون امام سيناريوهات لم يألفها لبنان بهذا الخصوص وهي بالطبع لن تكون سيناريوهات لصالح لبنان واللبنانيين.
وفي تقدير المصادر فإن الاتصالات بشأن قانون الانتخابات ستأخذ بعد البت بمصير الموازنة والسلسلة منحى آخر، حيث أن ضيق الوقت سيضع الجميع امام مسؤولياتهم وحينها سيتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وسيعرف من هو مع التمديد ومن هو مع «الستين»، ومن هو لا يأبه لمخاطر الفراغ إن وصلنا إلى موعد الاستحقاق من دون التفاهم على قانون جديد، أو إجراء الانتخابات على أساس القانون الحالي، أو الذهاب إلى خيار التمديد تحت حجج مختلفة ومختلقة.
وترى المصادر أن ما يجري في خصوص قانون الانتخاب ليس جديداً، ولا هو وليد الساعة، ولا هو بفعل الانشطار السياسي الراهن، بالجدال السياسي حول قانون الانتخاب موجود منذ عقود طويلة حيث لا قانون انتخاب ثابتاً، بل إن الظروف السياسية هي التي كانت تتحكم بشكل قانون الانتخاب منذ الاستقلال إلى الآن، حيث مرت على لبنان قوانين انتخاب مختلفة كانت في معظمها تأتي لصالح القوى السياسية الأقوى على الساحة السياسية، حتى ان القانون الحالي والذي يعرف بقانون الستين فرضته معادلة الدوحة، ولذلك من الطبيعي ما نشهده بهذا الخصوص وإن كانت الظروف الراهنة مختلفة عما سبقها.
وبما أن جميع القوى تنحاز إلى صالح اجراء انتخابات على أساس قانون جديد أقله علانية، وإن كان البعض من هذه القوى يعلن على عكس ما يضمر، فان المصادر السياسية تتوقع إعادة وضع الطروحات والأفكار التي تم تداولها على طاولة البحث من جديد، في محاولة أخيرة لابتداع صيغة توافقية على القانون الجديد، وفي حال لم يطرأ اي تقدم فإننا سنكون امام احتمالات أقل ما يقال فيها بأنها ستكون سيئة وستترك آثاراً سلبية بالغة على الواقع اللبناني الداخلي وتجاه المجتمع الدولي الذي ما برح يحث المسؤولين اللبنانيين بضرورة اجراء الانتخابات في موعدها وفق قانون عادل يضمن التمثيل الصحيح لكافة شرائح المجتمع اللبناني، وقد ظهر في الآونة الاخيرة من خلال حركة الموفدين الدوليين الى لبنان أن الملف الثاني الذي يتم التحدث فيه بعد ملف النزوح السوري هو قانون الانتخاب، حيث ظهر بوضوح أن هناك إلحاحاً دولياً بضرورة ان يكون هناك إرادة لبنانية جامعة لإجراء الانتخابات النيابية والتفرغ الى الاصلاحات على المستويات كافة، لا سيما الاقتصادية منها والمالية، وكذلك الإدارية، وهذه الرسالة من خلال الالحاح الدولي لا يستخف بها كبار المسؤولين غير انهم يرون أنفسهم يعملون على قاعدة «العين بصيرة واليد قصيرة».
وترى هذه المصادر أن السقوف العالية في المواقف في ظل التباينات الموجودة حيال شكل قانون الانتخاب تشي بأن رحلة التفتيش عن صيغة جديدة لا تزال طويلة ومليئة بالعقد، وأن الدخان الأبيض لن يشاهده الشعب اللبناني في وقت قريب يتصاعد من مداخن المقرات السياسية، لا بل إن المخاوف لا تزال موجودة من امكانية ان تزداد الامور سوءاً، وأن تبرز عقبات جديدة من شأنها ان تفرض على اللبنانيين امراً واقعاً سيكون مراً ومكلفاً عليهم.