مهما تفاوتت نسب تقدير واحترام الطلاب للمعلم، ومهما اختلفت مشاعر الطلاب تجاهه، إلا أن ما لا يجب نكرانه هو أن عيد المعلم الذي يحتفل به الطلاب والمعلمون في لبنان بـ9 آذار من كل عام، وبمعزل عن الحقبة الزمنية التي يعيشونها، هو المناسبة التي تجعل الطلاب يعيدون حساباتهم لوعي دور المعلم في حياتهم واهميته في رسم خارطة مستقبلهم.
يقول المدرّس أحمد قاروط، وهو معلّم حديث العهد، يخوض غمار مهنة التعليم منذ 5 سنوات، ان "كل المؤسسات والادارات على اختلاف مجالاتها قائمة على مهنة التعليم، فنحن الذين نربّي ونعلّم لنخرّج الجيل الجديد من أطباء ومهندسين وصحفيين وغيرهم"، مستطرداً بحسرة: "عيد المعلم كان له رونقاً اجمل ورهجة اقوى عندما كنت على مقاعد الدراسة، فحينها كنا ننتظر هذا العيد لنحتفل به كي نشعر اننا نقدّم خدمة او رد جميل للمعلم، ولكننا اليوم نفتقد الى من يردّه لنا، فكل ما يهم الطالب اليوم من عيد المعلم هو "العطلة" وتعليق الدروس فقط لا غير".
أما الأستاذة سناء الامين، وهي مديرة إحدى المدارس في بيروت، وعملت مدرّسة في الحقل التعليمي منذ ما يقارب الـ25 عاماً قبل ان تكون مديرة، تشير الى أننا "عندما كنا على مقاعد الدراسة، كنا نقضي شهرين او ثلاثة قبل حلول عيد المعلم ونحن نفكّر بالطرق الاحتفالية التي سنكرم المعلم بها، وهذا ما نفتقد اليه اليوم من قبل طلابنا"، لافتة الى ان "مهنة التعليم لطالما كانت أهم مهنة في المجتمع لانها تؤسس لكل الوظائف، ولكنها أمست اليوم المهنة التي يضعها الناس على هامش المجتمع، بسبب التطورات التكنولوجية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية".
قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا... من علمني حرفا كنت له عبداً... ما أشرقت في الكون أي حضارة الا وكانت من ضياء معلم... كثيرة هي الاقوال والامثال والقصائد التي بجّلت المعلم وعظّمت من شأنه واعطته جزءا من حقه المعنوي، لكن السؤال اليوم، هل يحصل المعلم على حقه فعلياً؟
"يعيش المعلم واقعا مريرا ويشعر بالالم جراء تصرفات الدولة او ادارة المدرسة التي يعمل فيها، وبسبب الإغفال عن بعض حقوقه او تقاضي رواتب زهيدة، فالتلميذ عندما يرى حق المعلم مهدورا ويركض ويسعى من اجل لقمة عيشه، لن يشعر حينها الا بضعف الاخير، في حين ان الطالب يحتاج الى ان يقتدي بالقوي كي يستمد منه الارادة"، يقول قاروط. ويضيف: "من الاسباب الكامنة خلف عدم ايمان الطالب بالمعلم في أيامنا هذه، التطور التكنولوجي الذي يقلص من دور الأستاذ ويهمشه ويفقد ثقة الطالب به كمصدر للمعلومة، لأن الاخير يرى اليوم ان المصدر الاسرع والاسهل للمعلومة هو شبكة الانترنت التي تغنيه عن المعلم والكتاب".
في حين تعتبر الامين أن "المعلم اليوم يشعر ان حقه مهدور وقيمته ضائعة، رغم انه يحمل كل شيء على اكتافه، من تعليم وتدريس وتطوير وتنمية الطلاب، فعيد المعلم لم يعد له رهجة كما كان عليه سابقاً، بسبب اقتحام وسائل التواصل الاجتماعي لحياة الطالب بشكل أساسي، التي تبدل اهتماماته وتلهيه عن الاهتمام بالمعلم وعيده".
ويتساءل قاروط: "اذا كان المعلم يفتقر الى أبسط حقوقه من الدولة وادارة المدرسة التي يعمل فيها، فكيف عليه ان يقوم بدوره في بناء شخصية الطالب؟ للأسف بهذه الحالة حتى الطالب لن يفيه حقه"، مشيراً الى ان "الوضع الاقتصادي العامل الرئيسي في تناسي عيد المعلم او عدم الاكتراث له من قبل الطلاب".
وتعرب الامين عن أسفها لأن "قلة هم الطلاب اليوم الذين نراهم يبادرون للتحضير للاحتفال بيوم المعلم، بينما في السابق أي في الحقبة التي تقع بين عام 2000 و2010 قبل الفورة التكنولوجية، كان الطلاب يأتون الينا بكثافة ومن كل المراحل العلمية والفئات العمرية، للتخطيط والتحضير للطرق التي سيحتفلون بها في هذا العيد، فيما لا نرى اليوم التفاعل والحماس الذي كنا نراه بالحقبة المذكورة، فأقصى ما يفعله الطالب اليوم هو معايدة أستاذه بمنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
إذاً، جيل بعد جيل، تتبدل اهتمامات الطلاب وتتغير قناعاتهم بحسب التطورات التي تلحق بعصرهم، الا ان ما يجب الاتفاق عليه، هو ضرورة المحافظة على مكانة المعلم وهيبته واحترامه. فأمس، اليوم، وغداً، كان وسيبقى المعلم هو الركيزة الاساس لبناء المجتمعات والاوطان... وكل عام وكل المعلمين بألف خير.