انتهى مؤتمر جنيف السوري الرابع، ويتجه المتفاوضون الى الانتقال الى أستانة للمرة الثالثة في منتصف شهر آذار الحالي، على أن تبحث في أستانة الاستمرار في الهدنة ووقف اطلاق النار وتثبيت ما تمّ الاتفاق عليه سابقًا.
ولا شكّ، ان الانتقال بين جنيف واستانةـ لا يلغي حقيقة أن المعارضة السورية بجزأيها السياسي والعسكري، تعيش أوقاتًا صعبة جدًا، يجعلها في موقف المفاوض الضعيف وليس القوي القادر على فرض شروط تجعل بالامكان الادعاء بانتصار ما في تلك المفاوضات، وأهم ما واجهته في جنيف يبدو كما يلي:
- عدم قدرتها على التوافق مع المعارضات الأخرى، وبقاء منصة الائتلاف وكل من منصتي القاهرة وموسكو متمسكين بمواقفهم بدون تعديل أو تبديل طيلة المحادثات وعدم استطاعتهم اختراق السقوف التي وضعوها سابقًا.
- إصرار منصة الائتلاف على فرض شرط تعجيزي غير قابل للتحقق، وغير مناسب للتطورات وهو "الانتقال السياسي" بما يعنيه تنحي الأسد عن الحكم لصالح المعارضة خلال فترة انتقالية محددة. وبالرغم من أن هذا المطلب يعتبر خارج سياق التطورات العسكرية والميدانية والدولية وحتى الاقليمية، فإن إصرار وفد الرياض عليه، يشير بما لا يقبل الشكّ أن المعارضة تدرك بأنه لا إمكانية لهزيمة الأسد في أي انتخابات مقبلة لذلك يحاولون إزاحته بالضغوط الدولية قبل الوصول الى تلك الانتخابات، وهو ما لن يقبل به وفد الحكومة السورية ولا حلفاء الأسد بأي شكل من الاشكال.
- عدم القدرة على الحسم الميداني لإجبار وفد الحكومة السورية على تقديم التنازلات، علمًا أن الهدنة التي تمّ التوافق عليها في أستانة بعد انتصار الجيش السوري في حلب، جعلت من الصعب على وفد المعارضة العسكري الادعاء بانتصارات ما يريد تسييلها في جنيف.
- ويبقى الاهم، هو عدم نضوج موقف الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الجديدة، حول الحلّ المتصور لديها في سوريا.
لقد أعطى ترامب إشارات متناقضة في الملف السوري، ففي حين أعلن مرارًا نيته التعاون مع الروس على ايجاد حلٍ سوري، وأشاد مرارًا بالرئيس بوتين، إلا أن الضغوط الداخلية، والحملة "المكارثية" الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية، تجعل من الصعب عليه تخطيها والذهاب نحو أي تفاهم من هذا النوع.
أما بالنسبة للمناطق الآمنة التي اقترحها، فقد أعطت إشارات للأتراك بأن ترامب قد عاد أخيرًا ووافق على ما كانت إدارة اوباما ترفضه. لذا سارع الاتراك الى كل من السعودية وقطر، للتنسيق فيما خص تلك المناطق وتمويلها وقام أردوغان باطلاق المواقف النارية ضد ايران ليلاقي الخليجيين وترامب ويعلن نفسه في معسكرهم. لكن الأميركيين عادوا ووضعوا خطوطًا حمراء لأحلام أردوغان، من خلال دعم الاكراد، والسماح لحلفائهم من قوات سوريا الديمقراطية بتسليم بعض المناطق للروس والجيش السوري، لمنع الجيش التركي من التقدم باتجاه منبج.
المشكلة التي تواجه الاتراك، هي أن اعلان المناطق الآمنة قد يوافق عليه الأميركيين، يتجلى في تحرير الاراضي السورية من داعش وتسليمها الى المعارضة السورية، أي أنه بمعنى من المعاني، يعني تقسيم سوريا، خاصة في ظل الهدنة المعلنة بين الجيش السوري والفصائل المسلحة التي وافقت على مخرجات أستانة. والتقسيم، مع استمرار الأكراد في السيطرة على جزء من الاراضي السورية، يعني حصول كونتون كردي واقعي، سيهدد بشكل أكيد الأمن القومي التركي في الصميم، ولن يسمح به الاتراك بأي شكل من الاشكال.
أمام هذه المعضلات، تعود الكرة الى ملعب الجيش السوري، والى كل من روسيا وايران لمنع التقسيم المحتمل، والذي سيكون وصفة كارثية للجميع وحتى بالنسبة لتركيا للمعارضة السورية. وإن كان مفهومًا التوجه التركي لدعم تلك المناطق واحتلال أجزاء من سوريا، فالمستغرب أن يحلم جزء من السوريين المعارضيين باقتطاع جزء من الدولة السورية لحكمها! والاغرب، قبولهم بها مع العلم أن تاريخ السنوات الست من عمر الأزمة السورية، يشير الى عدم قدرة تلك المعارضة على فرض "سلطة فاعلة" على المناطق التي سيطروا عليها، فلا المدارس استمرت، ولا أجهزة الدولة استمرت، ولا البنى التحتية ولا أمن ولا استقرار، وبالرغم من كل الجهود التي بذلها الاتحاد الاوروبي، لإمداد تلك المناطق المقتطعة من سيطرة الدولة السورية وتأمين بنى تحتية لسلطة مقبولة، باءت كل محاولاتهم بالفشل.
في المحصلة، قد تكون تصريحات ترامب قد حفزت الاحلام الخليجية والاردوغانية باقتطاع أجزاء من سوريا، لكن تبقى في النهاية، أكلاف هذا الاحتمال، أعلى بكثير من فوائده سواء للمعارضة أو للأتراك.