لو قدّر لرئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تسويق رؤيته الانتخابية التي سيطرحها بعد أيام، لقطع الشك باليقين على أنه قيادي سياسي وفاقي. مجرّد قبول القوى بالطرح الباسيلي المرتقب هو نجاح اكيد لرئيس التيار البرتقالي، خصوصاً بعد تسجيل عجز داخلي حتى الان عن تأمين الأحزاب صيغة انتخابية توافقية لإجراء الاستحقاق هذا العام.
أهمية الرؤية الباسيلية انها محاولة توفيقية لإنقاذ البلد من فراغ او تمديد ينتجان أزمة، ويقودان لبنان نحو المجهول. مشروع الصيغة يأتي كطرح ثالث للتيار "الوطني الحر"، ما يدل على الدينامية التي يتمتع بها التيار البرتقالي، بعدما كسب خبرة سياسية في التعامل مع توازنات البلد.
هو باسيل الثاني الذي يقدّم تجربة وطنية صافية، في حال نجاحه، بعد محطتين مفصليتين في حياة باسيل الاول: ترؤسه التيار العوني، ووصول مؤسس التيار العماد ميشال عون الى سدة رئاسة الجمهورية.
كان باسيل الاول قبلهما مختلف الأداء، قليل الانفتاح، صعب النقاش، حاد التعامل مع باقي القوى السياسية. كما وصفوه. بالطبع ليست وزارة الخارجية هي التي أكسبته دبلوماسية كان يفتقدها سابقاً، وصار ممتهناً لها الان، كما يبدو في تصرفاته السياسية وانجازاته القيادية والإدارية، رغم الملاحظات على حصره الاهتمام بالشأن المسيحي. اصبح باسيل الثاني اكثر حنكة، ودراية بكيفية حياكة التفاهمات ودوزنة الأزمات.
يُسجل لباسيل اولاً انه نجح في المساهمة بوصول عون الى القصر الجمهوري. هو الذي صاغ التفاهم مع رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري، وأبقى على التزامات التيار العوني السياسية مع الحلفاء. كما يُسجل له نجاحه في ردم الهوة داخل التيار التى نشأت أثناء تسويقه رئيساً للعونيين، ليأتي تبوئه رئاسة التيار بداية لمشروع لم الشمل والتخطيط للتوسع وطنياً.
لا تزال مآخذ القوى قائمة حول أداء رئيس التيار العوني، خصوصاً لجهة خوضه منافسة شرسة ضد حلفاء الامس-خصوم اليوم كتيار "المردة". هو يعرف انه لا يستطيع إلغاء زعامة سليمان فرنجية. ليس السبب محصوراً فقط بحجم شعبية "المردة" في الشمال، وإنما بسبب التزامات حلفاء فرنجية التي فرضت وزير "المردة" يوسف فنيانوس في حقيبة الأشغال العامة والنقل رغم الاعتراض القواتي والعوني في البداية.
صار باسيل الثاني يُدرك ان التوازنات اللبنانية دقيقة تستوجب مراعاة الهواجس، والحفاظ على المكونات وأدوارها، وتوسيع التحالفات السياسية.
صار اكثر نجاحاً في خطواته لتنفيذ رؤيته الاستراتيجية. هو يخطط وينفّذ بدقة. يُسجَل له ايضاً انه يتمتع بنشاط قلّ نظيره. هذا يعترف به خصمه وحليفه. "دينامو" التيار والعهد، قادر على العمل في اكثر من جبهة معاً. يهمه نجاح رؤيته، رغم انه قد يطيح بأعراف احيانا. نشيط في محاكاة الخارجية ومتابعة تفاصيلها المتشعبة، والعلاقة مع العواصم والسفارات، ومقاربة كل تفصيل يرتبط بالعونيين. الاهم هو التفاوض الداخلي حول الملفات السياسية والإدارية الدسمة. كل تفصيل داخلي يهتم به العونيون يطّلع عليه باسيل، ويدرسه ويعطي القرار. لا يدلّ الامر على عدم الثقة بالآخرين، يُقال ان جيشاً من المستشارين والمتطوعين يقفون الى جانبه. ولا يؤشر ايضاً الى نرجسية تحكم أداءه. هو باسيل عينه من هذه الناحية. لكن باسيل الثاني صار اكثر تقبلا عند القوى السياسية. فبات يوثّق العلاقات التي كان مسؤولاً عنها في التيار منذ سنوات، لكنه لم يصل سابقاً الى مرحلة عقد تفاهمات بشأنها. هو اصبح بحاجة لحصد نتائج التوافقات، واظهار قدرته على رأس تيار سياسي لم يتراجع كما كان متوقعاً بعد ترؤسه. استطاع باسيل الاول ان ينال ثقة عون، وباسيل الثاني الان يحظى تدريجياً على ثقة الآخرين. تلك الثقة مرهونة اولاً بتقديم قانون انتخابي وطني يكسب تأييد الافرقاء، ونجاح عقد تفاهمات وطنية كمشروع الاتفاق بين "التيار" و حركة "امل" على سبيل المثال.
هنا باسيل يثبّت قدراته الوطنية بعد إنجازات متتالية حققها التيار بقيادته. ويحجز رئيس التيار مكاناً متقدماً له في الصف الاول للقيادات اللبنانية. ويدخل المنافسة على الزعامة المسيحية والوطنية. المؤشرات توحي بقدرته على خوض المنافسة متكِئًا على نجاح عهد ساهم في صناعته. الانتخابات هي احدى اهم محطات الاختبار الجماهيري. فلننتظر قانونها ثم تحالفاتها ثم نتائجها. تستوجب جميعها الدقة والانفتاح والدبلوماسية والحزم والواقعية اللبنانية. قد تكون صارت اساساً في ممارسات باسيل الثاني. هل يكسب؟ توحي المؤشرات بالإيجابية.