موضوعان يشغلان بال اللبنانيين في هذه المرحلة هما: قانون الانتخاب، وسلسلة الرتب والرواتب، الأوّل كونه يرسم الخارطة السياسية في البلد للمرحلة المقبلة، والثاني لظن شريحة واسعة من اللبنانيين بأن إقرار هذه السلسلة سيغير من واقع حالهم المالي والمعيشي الذي وصل إلى أدنى مستوياته.
على مستوى قانون الانتخاب فكل القوى السياسية ما تزال تتمترس خلف مواقفها التي تحقق لها مصالحها وتحفظ لها مكتسباتها الانتخابية، ولم يظهر حتى الساعة أي معطى يفيد بإمكانية أن يقدم أي فريق بعض التنازلات في سبيل تقريب المسافات وبالتالي الوصول إلى ابتداع صيغة تؤمن ولادة قانون انتخابي جديد، لا بل إن كل المعطيات المتوافرة تؤكد ان الصيغ والطروحات التي يتم تداولها والتي كان آخرها مشروع وزير الخارجية جبران باسيل لن يكتب لأي منها الحياة ما دامت المناخات السياسية على النحو الذي هي عليه اليوم، فمشروع باسيل دفن في مهده بنتيجة عدم بلوغه حافة التوافق، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا اقدم الوزير باسيل على طرح المشروع في الوقت الذي لم يكن فيه يضمن الموافقة عليه، علماً انه كان قد عرضه قبل طرحه عبر وسائل الإعلام على العديد من القوى السياسية ولم ينل الموافقة عليه، ولو كان قد حصل على هذه الموافقة لما كان قد احتاج إلى مؤتمر صحفي لإعلانه، لا بل إن هذا المشروع كان قد أدى غرضه في ما خص المشهد الانتخابي حتى قبل تلاوته.
من الواضح ان التخبط السياسي على مستوى قانون الانتخاب ما زال سيّد الموقف، وأن الوزير باسيل قدم مشروعه على طريقة اللهم اني قد بلّغت أولاً.
وثانياً ربما لإحراج القوى الأخرى لحثها على تقديم أفكار وطروحات جديدة وعدم اقتصار هذا الأمر على «التيار الوطني الحر»، بمعنى إلقاء الحجة على باقي القوى السياسية والقول لهم تفضلوا وقدموا ما لديكم بهذا الخصوص وعدم الاكتفاء بإطلاق المواقف، وقد ذهب البعض في موقفه من مشروع باسيل إلى القول بأن هذا المشروع غير مفصل على قياس البلد بل إنه تجميل للقانون الارثوذكسي، حيث أسقط عليه معايير ما انزل الله بها من سلطان، وهو مشروع يحمل بذور تفجيره في متنه.
بالتأكيد أن ما سمعه الوزير باسيل من ردود على مشروعه وما قد يسمعه اليوم حيث تنتهي المهلة التي حددها للقوى السياسية لإعطاء أجوبتها عليه لم ولن تحمل اي أجوبة ايجابية من غالبية هذه القوى، وأن التأييد الفوري الذي اعلنته «القوات اللبنانية» جاء بهدف دحض الاقاويل بأن التفاهم المبرم بين «القوات» و«التيار» يقف على حافة السقوط، ومن جهة ثانية يأتي هذا التأييد لكون أن «القوات» في الاساس تعرف بأنه لن يبصر النور وبالتالي تكون قد باعت التيار الوطني الحر من جيبه. وعليه فاننا سنكون امام جولة جديدة على مستوى قانون الانتخاب، فإما نبقى في حالة انتظار علَّ وعسى تحدث معجزة تُخرج هذا القانون من النفق، أو يأتي من يبتدع فكرة ما تعود وترمي حجراً في المياه الانتخابية الراكدة، ولا يبقى كل طرف يحمل قانونه تحت إبطه متسلقاً به الشجرة متجاهلاً بأن اي قانون انتخابي يتطلب الإجماع.
وفي هذا السياق ترى مصادر عليمة انه ما دامت كلمة السر لم تأتِ من الخارج المنشغل بأوضاعه ولا يعير اهتمامه للشأن الانتخابي اللبناني، فإن المرحلة تبقى قاتمة وتسكن المنطقة الرمادية.
ولا تسقط هذه المصادر من حساباتها بعودة قانون الستين إلى الحلبة، ما دام الجميع يعرف بأن أي قانون بديل لن يغير في التركيبة السياسية القائمة حالياً بل ربما يؤدي إلى تغيير في الأرقام التي تضمن للبعض الحصول على ثلث معطّل تتحكم من خلاله في اي انتخابات مقبلة.
وتلفت المصادر النظر إلى ما قد يحصل في منطقة الرقة السورية، وإلى ما يمكن أن تحدثه من ارتدادات سلبية على الواقع اللبناني حيث الخوف مبرر من إمكانية لجوء اعداد من عناصر «داعش» إلى لبنان والقيام بأعمال أمنية، وهذا إن حصل لا سمح الله فإن من شأنه ان يقلب الصورة ويكسر كل المواقف التي أطلقت حتى اللحظة بشأن قانون الانتخاب وغيره.
أما في ما خص سلسلة الرتب والرواتب التي تضع الهيئة العامة لمجلس النواب اليوم يدها عليه، فان المناخات توحي بأنها ستقر وإن كان البعض من النواب يتخوف من أن تفعل شياطين التفاصيل فعلها. فالذين ينحازون الى جانب حتمية أن يُقرّ المجلس «السلسلة» اليوم يبنون ذلك على انه ما دامت اللجان تمثل أكثرية المجلس وهذه اللجان قد صادقت على هذه «السلسلة» فإنها حتماً ستجد الطريق الآمن في الهيئة العامة اليوم، من دون أن يعني ذلك أننا لن نكون امام حفلة من المزايدات من قبل بعض النواب على حافة الموازنة العامة لمخاطبة الرأي العام بأنهم يرفضون الضرائب ويقفون الى جانب إنصاف الموظفين.