مع الدخول العسكري الأميركي المباشر إلى الشمال السوري، والحشود العسكرية التركية المتواصلة إلى الحدود مع سورية، وإناطة مقاتلي "سورية الديمقراطية" بمهمة التوجُّه إلى الرقة بدعم أميركي مباشر، على وقع معلومات أكّدها "مركز فيريل الألماني" للدراسات تفيد بوصول المئات من "مشاة" الجيش السعودي إلى قاعدة "انجرليك" التركية في الثالث من الجاري، للمشاركة أيضاً بتحرير معقل "داعش"، بات السباق محتدماً إلى الرقة. لأول مرة يدخل جنود أميركيون بشكل علني ليتمركزوا في محيط منبج - تلك المنطقة التي أضحت أرض منازلة إقليمية بامتياز - بعد إنشاء أكثر من 5 قواعد عسكرية أميركية في الشمال السوري.. كل المعطيات تشير إلى "مسرحية" أميركية بعنوان "تحرير الرقة من داعش"، لتنفّذ من خلالها الإدارة الأميركية إلى تثبيت تلك القواعد على الأرض السورية لأجَل طويل الأمد، وهو ما يؤكده تصريح قائد القوات المركزية الأميركية الوسطى جوزيف فوتيل، عبر إعلانه أن "القوات الأميركية ستبقى في سورية طويلاً، حتى بعد القضاء على داعش"، وليُلحَق بتقرير كشف عنه موقع "بيزنس انسايدر"، أماط اللثام عن مسرحية تحرير الرقة، عبر إشارته إلى أن أعداداً كبيرة من قادة "داعش" ومجموعاتهم وعائلاتهم في الرقة باتوا خارج المدينة الآن، وأنه عندما تصل القوات الأميركية والكردية إلى الرقة، سيكون مقاتلو التنظيم قد غادروها.
وبوصول أكثر من 100 جندي إضافي من قوات "المارينز" إلى قاعدة رميلان في الحسكة، تحت عنوان "دعم القوى الحليفة التي ستباشر في تحرير الرقة"، يبرز بوضوح حجم المخطط الأميركي الخبيث تجاه محور المقاومة، إذ تؤكد التقارير أن تلك القاعدة تحديداً ستبدأ التحضّر على وقع معارك تحرير الموصل النهائية، لإدارة عمليات عسكرية تُعنى بشكل خاص بمناطق شمال وغرب العراق، وشرق سورية، تنتهي بفرض "حزام سُني" ينسف حلقة الوصل بين سورية والعراق، وحتماً عزل إيران عن حلفائها، وتثبيت مقاتلي "داعش" الفارين من الرقة والموصل في منطقة الأنبار العراقية، ودير الزور السورية.. ولكن!
تدرك القيادتان السورية والعراقية، كما طهران وقيادة حزب الله، ما يحاك في الغرف السوداء المعادية.. تسريبات صحافية عراقية لفتت إلى أن التنسيق الأمني والاستخباري بين الرباعي، إضافة إلى قيادات "الحشد الشعبي" و"النجباء" العراقيين، يجري بزخم غير مسبوق في غرفة عمليات مشتركة، تزامناً مع عدم نفي مصدر عسكري عراقي للمعلومات التي كشفت عن قرب التحام القوات السورية والعراقية، ومشاركة آلاف المقاتلين من "الحشد" والقوات الرديفة العراقية، إلى جانب الجيش السوري، في معارك الشرق السوري المقبلة، وصولاً إلى تطهير الحدود السورية - العراقية، تحت غطاء ناري مكثف لغارات مشترَكة بين سلاحي الجو العراقي والسوري.
وما بين إرسال المزيد من قوات "المارينز" الأميركيين إلى الشمال السوري، والحشود التركية المتواصلة بزخم على الحدود السورية، للمشاركة في حصة "غنيمة" الإطباق على الرقة، ضرب صاحب الأرض؛ الجيش السوري، بمؤازرة حلفائه، بقوة في ريف حلب الشرقي. عمليات متسارعة ومباغتة حرر من خلالها عشرات البلدات بسرعة قياسية، وليصل للمرة الأولى منذ سنوات إلى الضفة الشرقية للفرات، عقب تحرير تدمر واستمرار تطهير محيطها بخطى متسارعة، ليبرز قرار حاسم اتخذته القيادة العسكرية السورية: قطع الطريق على أنقرة وميليشياتها بالتقدم إلى الرقة.
في المقابل، وفيما نقل أحد مساعدي عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية فرجينيا؛ ديك بلاك، عن الأخير إشارته إلى أن الدخول العسكري الأميركي المباشر إلى الشمال السوري تحت عنوان "تحرير الرقة من داعش" لن يخلو من مخاطر جمة ستكون بمواجهة قوات "المارينز"، سائلاً: كم من صندوق خشبي سيحمل جنودنا من مستنقع سورية إلى بلدهم؟ اعتبر محرر الشؤون الدفاعية في صحيفة "اندبتدنت" البريطانية؛ كيم سنغابوتا، أن دمشق وحلفاءها باتوا يمتلكون أكبر حشد عسكري للانطلاق صوب الرقة، مقارنة بعديد "قوات سورية الديمقراطية"، والتي لم تتجاوز حتى الآن 2600 عنصر، رغم تضخيم أعدادهم، وكل الإمكانيات التي تؤمّنها لهم واشنطن.
وإذ أشار إلى أن الدخول العسكري الأميركي المباشر إلى الشمال السوري سيكون بمواجهة "براعة" التنسيق الأمني والاستخباري بين أذرع دمشق طهران - حزب الله في رصد وتصفية كبار رؤوس التنظيمات "الجهادية" على الأرض السورية التي تعمل لصالح الاستخبارات الأميركية ونظيراتها، توقف المحلل العسكري عند عدد من الشركات الأمنية الأميركية على شاكلة "بلاك ووتر"، التي دأبت منذ بدء الحرب السورية، على تدريب "جهاديين" لمقارعة الجيش السوري، وحيث لاحقت الاستخبارات السورية أبرز رؤوس تلك الشركات وتمّت تصفيتها، كما تتبعت أعضاء شركة أمنية مماثلة تسمى "ملحمة" تنشط أيضاً في الصين بمهمة تدريب عناصر من الإيغور وجلبهم إلى سورية، لتصل بعد عملية رصد دقيق إلى استهداف متزعّمها، عبر غارة جوية سورية أردته في إدلب الشهر الماضي.
وعليه، ورغم التعقيدات التي باتت تطبع المشهد الميداني في الشمال السوري، يجزم المحلل الاستراتيجي كريستوف بوتان، أن شاغل البيت الأبيض الجديد سيسرع بنصر سورية دون أن يدري.. كلام يتطابق وإشارة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إحدى اطلالاته المتلفزة الأخيرة، عندما قال: "إن أحمق في البيت الأبيض هو بداية فرَج لنا".. سيما أن نصراً مفاجئاً ومدوياً للجيش السوري، وعلى غفلة من الجميع، بات يلوح في أفق إحدى أقسى الجبهات الشمالية السورية، وفق ما سُرِّب عن دبلوماسي روسي في برلين.