ليس من باب الصدفة إقرار التيار الوطني الحر وحركة أمل الجلوس معاً والبحث في ورقة تفاهم. الأساس في ذلك قوة الدفع والإرادة السياسية لكلا الطرفين ولحليفهما الاستراتيجي المعنيّ بالتوصل إلى تلاقٍ كهذا. فحارة حريك عانت كثيراً لترتيب عناصر الانسجام بين الرابية والمصيلح.
يقول بعض المتشائمين إنّ الحدّ الأقصى لتفاهم التيار – الحركة هو هدنة قد تتحوّل لوقف لإطلاق النار بين الطرفين. في حين يرى بعض المتفائلين أنّ التفاهم يكمّل ببعده الوطني والإسلامي ورقة مار مخايل ويحصّن العلاقة بين الطرفين المسيحي والشيعي ويسقط لمرة أخيرة ما سُمّي بحليف الحليف، أملاً في أن تساعد العناوين المطروحة في هذه اللحظة المتعلّقة بالسلسلة وقانون الانتخاب والموازنة في إنضاج الفكرة، وأن لا تكون عامل إعاقة لها.
وفق المعنيين بالمفاوضات التي يرعاها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لم يُطرح التفاهم بين بعبدا وعين التينة لكي يفشل. العهد الرئاسي في بدايته. الرئيس نبيه بري سيُعاد انتخابه رئيساً للمجلس النيابي سواء بالتمديد أو بعد إجراء الانتخابات سواء حصلت وفق «الستين» أو أيّ قانون جديد.
خلال جلسة الانتخابات الرئاسية، فصل «الأستاذ»، بجدارة استثنائية بين الهوى السياسي وبين رئاسته للسلطة المعنية بانتخاب الرئيس. أوصل الجلسة إلى برّ الأمان وأمّن عناصر جوهرية أدّت إلى انتخاب الرئيس عون، رغم كلّ ما جرى يومذاك من محاولات لتوتير الأجواء من بعض الأفرقاء.
ما يجري بين البرتقاليين والخضر، محاولة جدية وإيجابية تبني على الثمين وتتجنّب الغثّ. تجربة محفوفة بامتحانات. لكن الأكيد أنّ هناك أكثر من محطة بين بعبدا وعين التينة تمّ تجاوزها خلال الأشهر الأربعة بنجاح. تظهّرت هذه المحطات خلال مجموعة جلسات للحكومة أقرّ فيها قانون النفط والتعيينات الأمنية والعسكرية والقضائية. فما حصل داخل قاعة مجلس الوزراء عبّر عن ترجمة إيجابية للعلاقة.
وسط أجواء تقارب الجانبين، يشكل قانون الانتخاب التحدّي الأبرز بين «الخارجية» وعين التينة. الانسجام في المواقف حيال هذا البند ليس في أحسن أحواله.
تؤكد مصادر الرئيس بري لـ«البناء» أنّ القانون الانتخابي من النقاط التي لا تزال عالقة ويجري العمل على إيجاد حلّ لها.
وفق المصادر نفسها، كان قانون الانتخاب محور تفاهم خلال جلسات الحوار، وكان الرئيس بري يقول إننا والرئيس عون الأقرب تجاه النسبية الشاملة، لكننا نعود اليوم إلى الوراء مع اختراعات الوزير جبران باسيل الانتخابية.
وسط هذا المشهد، يتعاطى بري مع معركة القانون الانتخابي إعلامياً وسياسياً بناء على مجموعة معطيات، جوهرها أنه على رأس السلطة الثانية، وأنه معنيّ بالمهل وبإقرار القانون وبتحالفه مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط. هذه الأسباب تجعل من هوامشه أوسع للتعاطي مع المرتقب من «الابتكارات الهجينة» بمعزل عن التفاهم مع «التيار». فالنظام في لبنان برلماني وليس رئاسياً.
من الطبيعي، بحسب المعنيين، أن تبقى، طيّ الكتمان، الملفات موضع التفاهم أو التي لا تزال عالقة بين «العونيين» و»الأمليين»، فأية عملية كشف لما تمّ الاتفاق عليه ستجهض وصول المفاوضات للنهاية المرجوة.
لكن الثابت، وفق مصادر رئيس المجلس، أنّ بعبدا وعين التينة في خط استراتيجي واحد، تجاه القضايا والثوابت الوطنية والنظرة إلى سلاح المقاومة، فضلاً عن الإصلاح في الدولة ومحاربة الفساد.
يُجري الطرفان نقاشات حول بناء الدولة من خلال تطبيق الطائف، فالحركة أيّدت هذا الاتفاق من اللحظة الأولى، والوطني الحرّ أصبح اليوم في ركب الطائف.
يبقى أنّ التفاهم عند «دولته» مع «البرتقالي» شيء، وموقفه من الملفات اليومية المطروحة شيء آخر، فهما خطان متوازيان ربما يلتقيان عندما يحصل التفاهم الذي قد يكون الأداة الصلبة لتلاقي أبعد على العناوين الأخرى في الخط الموازي الثاني.