إذا كانت سلسلة الرتب والرواتب وراءنا، وفرض الضرائب أمامنا، فإلى أين المفر؟
تلك هي حالنا اليوم، الحكومة عزمت على إعطاء السلسلة، إذ إنَّ هذا الأمر يجب أن يُنجز باعتبار أنَّ تصحيح الأجور لم يحدث منذ تسعة عشر عاماً، لكن في المقابل هناك واقع أنَّ العين بصيرة واليد قصيرة.
لجهة أنَّ العين بصيرة فإنَّ الحكومة تبصَّرت في حجم الغبن اللاحق بالموظفين في القطاع العام من جرّاء التأخر في إعطائهم حقوقهم، لكن ألم يكن من الأجدى لو حصل التطهير الإداري قبل إعطاء الزيادات؟
وعندها فإنَّ الأموال التي ستُدفَع للزيادات كان يجب أن تُدفع للتعويضات لمَن لا حاجة للإدارات لهم، لأنهم أُدخِلوا على طريقة التنفيعات من وزراء تعاقبوا، فكان كلُّ وزيرٍ يُدخِل جماعته وأنصاره عن طريق التعاقد، هكذا تضخَّمت الإدارة العامة من ثلاثين ألف موظف إلى مئة وثلاثين ألفاً.
الحكومة اختارت الطريق الأسرع، وربما الأسهل، فزادت قبل الإصلاح، لذا فإنَّ التحدي الأكبر يتمثل في بدء الإصلاح، هذا الأمر يُعطي أملاً للأجيال المتخرِّجة بأنَّ لها مكاناً في الإدارة اللبنانية، فلماذا نحرمها هذا الأمل؟
***
وإذا كانت الحكومة جادة في رفع بعض الضرائب، فإنَّ ما ليس مفهوماً هو رفض رفع الضرائب على التبغ بالقيمة المطلوبة، إذ شطبت المادة التي ترفع الرسم بنسبة ٤٣.٧٥% على السيجار و١٣.٥% على السجائر ونرجيلة المعسل، واستبداله باقتراح تقدم به أحد النواب بزيادة 250 ليرة لبنانية على سعر علبة السجائر و500 ليرة على سعر علبة السيجار!!! النائب سامي الجميّل اقترح زيادة 500 ليرة على سعر السيجار الواحد، لكن اقتراحه سقط. اللافت أنَّ كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة، رفضتا رسوم التبغ، لكونها تزيد التهريب ولا تخفف استهلاك الدخان ولا توفر إيرادات للسلسلة، إلى درجة أنَّ أحد النواب من إحدى هاتين الكتلتين، برَّر رفض الضريبة بأنَّ الفقير يدخّن بسبب الأزمة المعيشية، وأنَّ الضريبة تعزّز التهريب فتخرج السيطرة عليه، بمعنى آخر فإنَّ مؤسسة الريجي تضخ أرباحاً على خزينة الدولة، ويستفيد من هذه المؤسسة كثر من خارج الإدارة الرسمية.
***
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
الجواب الأسرع بدايةً، هو ما قاله وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري للإعلامي المخضرم مرسال غانم، في برنامج كلام الناس، من أنّنا لا نريد إقرار السلسلة بلا تأمين المداخيل، وكان صريحاً جداً حين أعلن أنَّ ضريبة ال TVAهي الأسرع ولا تحتاج إلى أية إجراءات، وأنَّ مدخولها يتَّجه مباشرةً إلى خزينة الدولة.
لكن في المقابل، ماذا يقول المعترضون؟
المعترضون يعدِّدون جملة من الإجراءات التي يمكن السير فيها لتحقيق التمويل، ومن أبرزها:
- البدء بإتاحة إنتاج الكهرباء، هذا القطاع الذي يتسبب بعجز مالي يقارب المليار ونصف دولار سنوياً.
- وضع اليد على عمليات التهريب في المطار وفي المرفأ، وهذا من شأنه أن يرفع المداخيل للخزينة.
- وهناك ملفٌّ يدرُّ الملايين ويتمثَّل بمراقبة المناقصات التي تُعطى بأرفع من أسعارها وأحياناً بأضعاف أسعارها، فالمناقصة التي كِلفَتُها مليون دولار، على سبيل المثال لا الحصر، تبدأ بأكثر من مليونين، هكذا يبدأ الربح المضاعف من أول الطريق.
***
هذه عيّنة من الإعتراضات، ويبقى أنَّ المعالجة العلمية والمنطقية تكون بالإلتقاء في منتصف الطريق بين ما هو مطروح، ليؤخذ منه الأفضل، وبين ما هو مقترَح، ليؤخَذ منه المعقول، وهكذا يتم الوصول إلى سلسلة محقة وإيرادات من ضرائب عادلة.