من غير المستبعد أن تلجأ المملكة العربية السعودية قريباً إلى تغيير اسمها ليصبح المملكة العالمية السعودية. فصفة العربية تحدُّ من طموحات المملكة وتقلص حجم ساحات عملها، وهي التي تتوزع وفودها بين مشارق الأرض ومغاربها خلال وقت واحد. الملك سلمان بن عبد العزيز يواصل جولة آسيوية متأبطاً وفداً من نحو ألف وخمسمئة شخص ومصعدين مذهبين، مشترياً عشرات الجزر وموقعاً اتفاقيات مع الصين واليابان وماليزيا وغيرها بعشرات المليارات. أما إبنه محمد، ولي ولي العهد وزير الدفاع ورئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، فيحل ضيفاً على البيت الأبيض وإلى مائدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبحث في اتفاقيات تعاون تتجاوز قيمتها المئتي مليار دولار على مدى أربع سنوات على الرغم من تراجع أسعار النفط، الدخل الأول للمملكة والسبب الرئيسي في أزمتها الاقتصادية.
ترقية الاسم من عربي إلى عالمي باتت ضرورة ملحة. قضايا المنطقة من فلسطين إلى الحرب على الإرهاب وسوريا واليمن إلى تنمية الدول وتحديث أنظمتها تشكل عبئاً على الرياض. واستهلكت من ثرواتها الكثير. وهي لم تعد مواضيع جذابة في المحادثات الملكية مع الزعماء الآسيويين، ومحادثات ترامب ومحمد بن سلمان.
وحظيت زيارة الأمير الشاب إلى البيت الأبيض باهتمام إعلامي واسع أعاد محمد بن سلمان إلى دائرة الضوء. وأكد مستشار ولي ولي العهد الذي لم يذكر اسمه، على الصفحة الممتازة التي فتحت في كتاب العلاقات بين البلدين بعد فترة جفاف سادت خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. واعتبر المستشار في تصريحات صحافية أن العلاقات السعودية الأميركية من شأنها أن تدفع باتجاه استقرار الأسواق العالمية ونمو الاقتصاد العالمي.
وكشفت الزيارة أن بلاد الحرمين وقبلة المسلمين تخوض غمار حملة علاقات عامة دولية لإنقاذ الرئاسة الأميركية. حملة تستحق معها الارتقاء باسمها من الصفة العربية إلى الصفة الدولية. وبما أن المملكة هي الدولة الوحيدة في العالم تحمل اسم العائلة الحاكمة فيها، يحق لهذه العائلة أن تفعل ما تريد بالاسم وأن تسجله بالصيغة التي تناسبها وتناسب دورها الجديد.
والمنطقة العربية في هذه الأيام السوداء متقوقعة على نفسها لا خير فيها، وهي لو كانت مهبط الديانات السماوية، تعج بحروب أبناء الأنبياء التي لا تنتهي على الأرض. وسئمت المملكة صراعات العرب الذي أنزل القرآن بلسانهم، وصراعات المذاهب الإسلامية، ولم يعد يهمها إلا تبرئة دونالد ترامب من تهمة العداء للمسلمين.
محمد بن سلمان يقول أن ترامب "صديق حقيقي للمسلمين"، وأن تصريحاته المعادية للإسلام اقتطعت من سياقها. وأضاف الأمير الشاب أن الرئيس الأميركي محق في فرض حظر سفر على مواطني سبع دول، رعاياها مسلمون بغالبيتهم، باعتبار أنها دول إرهابية. لا بل ذهب أبعد من ذلك، عندما كشف عن معلومات لدى بلاده عن تخطيط أفراد من الدول المذكورة لعمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة. وهذه المعلومات غابت على ما يبدو عن أجهزة الاستخبارات الأميركية.
لكن تصريحات الأمير الشاب الأقرب إلى العرش، تعرضت لانتكاسة مصدرها الولايات المتحدة. فبعد يوم على نشر الكلام المنسوب إلى مستشار الامير، رفض قاضٍ اتحادي في ولاية هاواي قرار حظر السفر الذي عدّله ترامب (رفع اسم العراق عن اللائحة) بعد الفوضى التي عمَّت المطارات عقب قراره الأول.
كذلك وافق قاض اتحادي في سياتل بولاية واشنطن على طلب لولايتي واشنطن وأوريغن بـ"تعليق مؤقت لمدة 14 يوما" لقرار ترامب مشيراً إلى "أضرار لا يمكن إصلاحها" ناجمة عن حظر السفر المذكور. وما زاد في إحراج محمد بن سلمان أن صديق المسلمين ترامب، الذي لم يكن هضم بعد طعام الغداء مع ضيفه السعودي، قال أمام تجمع لأنصاره في ناشفيل "من المتعذر دمج المسلمين بالحضارة الغربية".
هنا بالامكان الاستنتاج أن الرئيس الأميركي تجاوز حد اتهام المسلمين بالإرهاب إلى التمييز ضدهم كشعوب متخلفة حضارياً.
وعلى الرغم من هذه الانتكاسة يكفي ولي ولي العهد السعودي أن ترامب استفاد مما سمع منه عن تجربة مملكته ببناء سياج عازل على طول حدودها مع العراق، ما منع تسلل الإرهابيين والسلاح والمهربين. وترامب بحاجة لتجربة مماثلة يضيفها لما سمعه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أسبوعين عن جدار الفصل العنصري في فلسطين المحتلة. وهكذا يصبح ترامب جاهزاً لبناء جداره على الحدود المكسيكية. منافع سعودية أميركية متبادلة بحسب رؤية ترامب للسياسة الخارجية وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، تستولد اسماً جديداً للمملكة، وترفع جداراً يمنع الاستقرار في المنطقة.