عدت، أيها الرئيس العماد، إلى البلاد وهي في أسوأ حال: تظاهرات واعتصامات شعبية ونقابية وقطاعية احتجاجاً على رسوم وضرائب جائرة تتجه الحكومة لفرضها على الطبقة الشعبية ومحدودي الدخل، واحتدام صراع مرير بين أطراف شبكة حاكمة على قانونٍ للانتخابات يريده كلٌّ منهم على قياس مصالحه ومطامعه. كلّ ذلك جرى ويجري قبل ثلاثة أشهر وبضعة أيام من انتهاء ولاية مجلس النواب وفي غمرة تهويلٍ من انزلاق البلاد إلى فراغ. أليس الفراغ واقعاً جاثماً منذ آخر انتخابات جرت سنة 2009؟
رئيس مجلس النواب نبيه بري قال لك في أمسٍ قريب: «إنّ قانون الستين هو الفراغ بعينه»، ذلك انّ انتخابات 2009 جرت على أساس قانون «الستين» الأكثري الذي أنتج مجلساً نيابياً عاجزاً عن الانعقاد طيلة دوراتٍ وسنوات وبالتالي عن تشريع قانون انتخابٍ جديد يحلّ محلّ قانون «الستين»، فكان أن مدّد لنفسه مرتين وللفراغ حتى هذه الساعة، وما زال أركان الشبكة الحاكمة يحاولون التمديد له مرةً ثالثة بدعوى إنضاج الظروف للتوافق على صيغة قانونٍ بديل.
لعلك لا تنسى، أيها الرئيس العماد، أنك التزمت في خطاب القسم فور انتخابك قبل 140 يوماً الحرصَ على تطبيق الدستور وعلى وضع قانونٍ للانتخابات «يؤمّن صحة التمثيل وعدالته»، وأكّدت أمام أعضاء السلك الديبلوماسي التزامك بما تعهّدت به في خطاب القسم وبأنك تريد اعتماد النسبية الكاملة، كما أعلنت في مناسبة لاحقة أنك إذا ما خُيّرت بين قانون «الستين» والتمديد فإنك تفضّل الفراغ على الاثنين دونما تردّد.
ها هي تداعيات الفراغ تطلّ عليك وعلى البلاد دونما تدخّل منك بل بفضل متزعّمين وسياسيين مستمتعين بفراغٍ عاشوه طيلة سنوات ست ويتوقون الى المزيد منه، وبفضل شبكة حاكمة لم تكن أنتَ يوماً عضواً فيها بل أصبحت رئيساً رغماً منها بعد 18 شهراً من شغورٍ في الرئاسة افتعلته بدم بارد.
لا يهوّلن أحد عليك وعلى البلاد، أيها الرئيس العماد، بفراغٍ لن تتأتّى عنه أزمات وتداعيات أكثر من تلك التي صنعها صنّاع الفراغ أنفسهم، وما زالوا، بإصرارهم على اعتماد نظام الاقتراع الاكثري وتجاهل حال تعدّدية راسخة للحؤول دون تمثيل الأقليات السياسية. فهل يهون عليك أن تبقى ساكناً ساكتاً وهم يحاولون مجدّداً تمديد الفراغ لغاية أن ينجحوا في التوافق على قانون انتخابات هجين، أكثري أو مختلط، يؤمّن لهم مصادرة التمثيل الشعبي والتحكم به الى أبد الآبدين؟
إنها فرصتك، أيها الرئيس العماد، اغتنمها وبادر بلا إبطاء إلى معالجة حال الفراغ، بل ساعد البلاد والعباد بعدم القيام بأيّ إجراء قانوني او سياسي يؤدّي إلى تمكين الشبكة الحاكمة من تحقيق أغراضها الخبيثة قبل حلول الفراغ التشريعي أو بعده.
أجل، لا تتأخر أيها الرئيس العماد، في الإعلان، غداةَ حلول الفراغ التشريعي في 20/6/2017، بأنك ستقوم عملاً بأحكام المادة 49 من الدستور التي تكرّسك رئيساً للدولة ورمزاً للوحدة الوطنية وساهراً على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان وسلامة أراضيه، بالتعاون مع شركائك في الوطن وحلفائك الملتزمين مبدأ النسبية الكاملة في دائرة وطنية واحدة أو، استطراداً، بدوائر قليلة موسعة، بوضع نظام للانتخابات النيابية في إطار الحكومة القائمة، إذا آزرتكم في ذلك، وإلاّ قمتم باعتماد المسار الآتي:
1 ـ يقوم رئيس الجمهورية مع حلفائه بالإيعاز الى وزرائهم بالإستقالة ما يجعل الحكومة مستقيلة بحكم الفقرة ب من المادة 69- دستور لفقدها أكثر من ثلث عدد أعضائها.
2 ـ يجري، باتفاق رئيس الجمهورية مع حلفائه، تأليف حكومة وطنية جامعة من شخصيات وممثلي قوى سياسية متوافقة على وضع نظام انتخابي دستوري عصري على الاسس الآتية:
أ ـ اعتماد نظام التمثيل النسبي في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
ب ـ يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً، مئة 100 منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون اعتماد التوزيع المذهبي للمقاعد، ويُنتخب الثلاثون 30 الباقون وفق التوزيع المذهبي، ويكون لكلّ ناخب صوت واحد.
ج ـ عملاً بنظرية «الظروف الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية»، يُستفتى على النظام الانتخابي الجديد، بنصّه الكامل او بملخّصٍ وافٍ عنه، في استفتاء عام يُنظّم بمرسوم يُتيح لكلّ لبنانية ولبناني بلغ الثامنة عشرة قبل تاريخ 2016/12/31 حق الإقتراع له أو ضدّه، ويكون نافذاً بأحكامه بمجرد حصوله على نسبة مئوية تزيد عن خمسين في المئة من مجموع المقترعين.
3 ـ يجتمع جميع النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين:
ـ الأول يقضي باعتبار النواب المئة المنتخبين على أساس المناصفة نواةَ المجلس النيابي المنصوص عليه في المادة22 – دستور، وباعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على أساس التوزيع المذهبي للمقاعد نواةَ مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة عينها.
ـ الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ باعتماد معظم المواضيع المعتبرة أساسية في الفقرة 5 من المادة 65 – دستور وأهمّها: تعديل الدستور، الحرب والسلم، المعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة، إعادة النظر في التقسيم الإداري للدولة، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية.
لعلك تشاطرنا الرأي، أيها الرئيس العماد، بأنّ البلاد لا تحتمل أزمةً كيانية كلّ ثلاث أو أربع سنوات، وانه آن الأوان لوضع حدٍّ، مرةً وإلى الأبد، لأسباب اجترارها وتكرارها، وانّ ذلك يتحقق بجملة تدابير، أولها وأهمّها تطبيق أحكام الدستور ولا سيما المواد 7 مساواة اللبنانيين لدى القانون و 22 مجلس نواب لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف و27 النائب يمثل الأمة جمعاء وذلك باعتماد النظام الانتخابي المنصوص عليه في الفقرة 2 أعلاه لتمكين مجلس النواب الجديد من تشريع القانون اللازم لتكوين المجلسين موضوع المادة 22 – دستور في ضوء نتائج الانتخابات المُجراة.
إنّ الفراغ فرصة نادرة يقتضي اغتنامها بلا تردّد. وليس غيرك، أيها الرئيس العماد، قادر على ذلك كونك وحدك بين المسؤولين في هذه الظروف الاستثنائية يمتلك قدْراً عالياً من الوطنية والشجاعة والتصميم على اتخاذ قرارات مصيرية وإصلاحية استثنائية تضع لبنان على مسار الخلاص الوطني والدولة المدنية الديمقراطية.