هل أيقن الروسي أن المجموعات المسلحة ومن يدعمها لا تريد حلاً سياسياً في سوريا؟ هل ادرك أن المسألة مسألة وقت ليس الا وأن المسلحين يشاركون في المؤتمرات لكسب الوقت؟ اسئلة مطروحة في وقت اشتعلت الجبهات من جديد في دمشق وحماه بعد أيام قليلة على رفض المجموعات المسلحة الموقعة على وقف اطلاق النار المشاركة في مؤتمر الاستانة. دمشق لا تشكك في ادراك الجانب الروسي لما يجري في الميدان ونوايا المسلحين، لكن هناك تساؤلات جدية حول ما اذا كانت موسكو لاتزال متمسكة بقرارها التخفيف من العمليات العسكرية، والتركيز على الحل السياسي الذي خبره السوريون ووصلوا لنتيجة أن لا حل الا بعد هزيمة المجموعات الارهابية، وترك الخيار للسوريين لاجراء مصالحة مع الدولة ومن ثم الاتفاق على صيغة جديدة للحكم.
على مدى سنوات طويلة، اختبرت السلطات السوريّة كل أنواع المسلحين بكافة تفاصيلهم وتوصلت الى نتيجة واحدة: هناك فئة منهم لا تريد أي حل وستقاتل حتى النهاية وتحكمها عقيدة لن تتخلى عنها، بينما هناك فئة أخرى تشكل الاغلبية، لديها الرغبة في اجراء تسوية والعودة الى الشرعية، لكن ما يمنعها هو وجود مجموعات من الفئة الأولى تضغط عليها وتورطها بمعارك رغما عنها، والأمثلة على ذلك كثيرة، آخرها كان في برزة والقابون، حيث رفضت جبهة "النصرة" اجراء تسوية والخروج من المنطقة، وتجاوزت اتفاق المسلحين في المنطقة مع لجان المصالحة واشعلت المعركة مع الجيش السوري لضرب الاتفاق، في حين أن السوريين قدّموا للروس نتائج خبراتهم وحثّوهم على المضي في سياسة انهاك المسلحين في كل مكان، ومن ثم فتح الحوار، لكن موسكو حاولت التخفيف من العنف وعملت على اللجوء الى الحل الدبلوماسي الذي اصطدم بجولة العنف الأخيرة.
في هذا السياق، يتذكر ضابط سوري رفيع تحذيره للضباط الروس من ابتلاع الطعم وتصديق أولئك، ويردد أن هناك من اقتنع بأن للمسلحين مطالب متى تحققت يمكن أن تنجز اتفاقات وحل للأزمة، وان هذا ما دعا الجانب الروسي لمنح فرصة للمسلحين، ولا يخفى أن الروس نجحوا في الكثير من البلدات بالمساهمة في اجراء مصالحات، لكن لا يعني ذلك أنه لم تغلق الأبواب بوجههم في غيرها من البلدات والقرى أيضاً، ولذا كان انجاز كل مصالحة مؤشر جيد لنجاح المسار الدبلوماسي، الا أن رفض المجموعات المشاركة في آستانة ومن ثم اطلاق جبهة "النصرة" معركة جوبر، بمشاركة "أحرار الشام" و"فيلق الرحمن" الحاضر في المفاوضات، ومباركة رئيس وفد المجموعات المعارضة الى آستانة محمد علوش، ومن ثم شن الهجوم الكبير على حماه بمشاركة فصائل عدة، يدفع بالضابط الرفيع الى السؤال حيال امكانيّة تصديق الروس للمسلحين؟
لاشك أن اطلاق المعارك في ريف دمشق وحماه، ومشاركة الفصائل المعارضة لجبهة "النصرة"، يؤكد أن خيار الحلّ السياسي بعيدا كل البعد عن تفكير المسلحين مهما حاول الروس استمالتهم. بالنسبة لدمشق سيوقفون القتال فقط عند فقدانهم القدرة على ذلك، والحوار المُرتجى في جنيف أو آستانة مازال عالقاً عند أولويات الحل: الارهاب أم الانتقال السياسي.
في هذا السياق أيضًا، يبدو أن دمشق، وإن كانت مضغوطة في الميدان، مرتاحة في السياسة ولخياراتها، ولولا ادراك قوتها لما رفضت استقبال المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا، وهي تعلم أن كل ما يجري، من التفجيرات الإرهابية الى الغارات الاسرائيلية واشعال جبهات جديدة وصولاً إلى الانزال الأميركي في الطبقة، يؤكد أن هناك من لا يريد لتنظيم "داعش" الإرهابي أن ينتهي بسرعة، وأن المطلوب تخفيف الضغط على التنظيم، والا فإن الجبهات ستعود وتشتعل ويضطر الجيش السوري لنقل قواته من الجبهات مع "داعش" الى حماه وريف دمشق.
في المحصلة، الدور يبقى على موسكو، التي من المرجح أنها ستعيد ترتيب أولويات الحل في سوريا، بعد اختبار نوايا المسلحين وداعميهم، وهي تدرك أن الدبلوماسية السوريّة استجابت لتمنياتها وحاولت بكل جهد انجاح المؤتمرات الداعمة لها من استانة الى جنيف، وأثبتت أن المسلحين ومن يدعمهم يرفضون الحل السياسي لأن لديهم حسابات تنتظر الرؤية الأميركية، ولذلك ما هو منتظر جولة عنف جديدة تضعف "النصرة" و"داعش" وتخرجهما من المعادلة.