عمره ما كان السباق مع الزمن ضاغطاً في مواعيده كما هو اليوم... فالمهل الداهمة تبدو مثل عملاق جائع يفغر فاه لإلتهام الشهور والأسابيع والأيام التي لم يبقَ منها كثير على عدّاد الإستحقاقات.
بداية يجدر الإعتراف بأنّ المرحلة حاسمة.
هي حاسمة لبنانياً وعربياً ودولياً. فعالم الأزمة السورية مفتوح على المفاجآت كلها. ولم يعد سراً الكلام عن أوجه الخواتيم غير السعيدة التي يُقال أنها تدرس في الغرف الاستراتيجية لدى الكبار. ولم يعد مستغرباً أن نستمع الى هذا المسؤول الروسي يتحدّث عن الفيدرالية، وذلك المسؤول الأوروبي يتحدّث عن التقسيم. وذاك المسؤول الأميركي يتحدث عن أن «المقترحات كلها» مطروحة أمام إدارة الرئيس ترامب. يحدث هذا فيما إنتعشت «حرب دمشق» فجأة، ومن دون سابق انذار سرى النسغ في عروقها بعد طول يباس.
وعالم الأزمة الإقليمية عاد الى التصلّب بين المملكة العربية السعودية وإيران بعدما خُيِّل الى البعض أن ثمة محاولات جادة تُـجرى من أجل تسوية ما لم تعد واردة في المستقبل المنظور على الأقل... ثم أخذت معالمه تتضّح في التصعيد الكبير بالحرب اليمنية، وفي التصعيد الآخر داخل البحرين.
وعالم الأزمة الأوروبية هو كذلك يحمل نُذراً خطرة إنْ بالنسبة الى العمليات الإرهابية في غير بلد... فما تكاد بلجيكا تنفض غبار التفجيرات وتبلسم جراح الإصابات، حتى تنتكس المانيا، فبريطانيا ففرنسا الخ... أضف الى ذلك «الجرح الموجع» المتمثل باتخاذ إجراءات إنسحاب بريطانيا من المجموعة الأوروبية المنحى العملي التنفيذي الحاسم... في وقت ترتفع أصوات اليمين المتطرف في كل شارع ومنتدى عشية الإنتخابات البرلمانية العامة في غير واحد من بلدان القارة العجوز التي جاء رجب طيب أردوغان «ليبشرها» بحمامات الدماء.
ولا يزال العالم يضع اليد على القلب في إنتظار الخطوات المجنونة التي قد يقدم عليها دونالد ترامب في أميركا تجاه إيران والصين وروسيا و...
هذه صورة مختصرة جداً للمشهد البانورامي الذي نعيش، نحن اللبنانيين، وسط نيرانه الملتهبة، والتي شاء تقاطع ظروف عديدة أن نكون في منأى عن لهيبها وألسنتها الحارقة حتى الآن... ولكن ليس فوقنا مظلّة لا تُخرق!
ولقد إستطعنا بفعل وعي مهم تجاوز استحقاقنا الكبير الأول بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية بفضل حسن نيات أسهمت فيه الأطراف المعروفة... ثم تجاوزنا الإستحقاق الثاني بتشكيل الحكومة، ومن ثم الإستحقاق الثالث بإنجاز البيان الوزاري وحصول حكومة الرئيس سعد الحريري على الثقة النيابية...
فهل توقفنا هنا؟
لقد دهمتنا الإنتخابات النيابية خصوصاً قانونها الموعود، ودهمتنا السلسلة، فيما الشارع يغلي، وهناك تقاطع نيات في اذكاء نيرانه.
وإذا كان هذا العالم المشغول بذاته قد وجد لنفسه فسحة من الزمن غضّ الطرف فيها عنّا فتمكنّا من إنجاز ما أنجزناه، فقد آن الأوان لندرك أن هذا العالم قد لا يفعلها ثانية..
فهل يتقي «الأقوام» الداخليون اللّه في هذا الوطن؟!