اختُطف رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين قبل أسبوعين في المغرب، ورُحِّل إلى أميركا على عجل. السلطات اللبنانية «لم تلحق» منع ترحيله، فيما تبدو الحملة على رجال الأعمال اللبنانيين إلى تصاعد، للضغط على المقاومة
يحضر رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدّين، غداً، ثانية جلسات الاستماع الخاصّة بقضيّته أمام محكمة في واشنطن، بعد اختطافه في مطار محمد الخامس في مدينة الدار البيضاء المغربية من قبل جهاز الأمن الوطني المغربي، قبل نحو أسبوعين.
واختطف تاج الدّين، وهو تاجر مواد غذائيّة بين أوروبا والصين والولايات المتحدة وأفريقيا، من داخل الطائرة التي كان من المفترض أن تحمله من كوناكري الأفريقية إلى بيروت في 12 آذار الجاري. ما إن حطّت الطائرة، «ترانزيت»، في الدار البيضاء، حتى اقتحمها رجال الأمن الوطني المغربي واقتادوا تاج الدين إلى جهة مجهولة. وبعد ساعات، تبيّن أن تاج الدين لا يواجه أي تهم أو دعاوى أمام القضاء المغربي، بل تأتي عملية الاختطاف تنفيذاً لطلبٍ من المخابرات الأميركية، بناءً على مذكّرة توقيف صادرة عن «الإنتربول» بتهمة التحايل على الحكومة الأميركية و«دعم الإرهاب». وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن وثيقة الإنتربول جرى تفعيلها في المغرب بتاريخ 10 آذار 2017، أي قبل يومين من موعد رحلة تاج الدين إلى بيروت عبر الدار البيضاء.
مصادر متابعة للقضيّة أكّدت لـ«الأخبار» أنَّ تاج الدين خضع لتحقيق أوّلي لدى الاستخبارات المغربية، وحين طالب بحضور محامٍ للدفاع عن نفسه، أبلغه المحققون أنه غير ملاحق في المغرب، لكنه مطلوب للولايات المتحدة و«لا داعي للدفاع عن نفسه هنا». علماً بأنَّ ابن بلدة حناويه الجنوبية كان يعتمد دائماً على العبور «ترانزيت» في أوروبا وليس المغرب، إمّا في فرنسا أو بلجيكا عبر رحلات غير مباشرة إلى بيروت، فضلاً عن زياراته المتكرّرة للعمل في أوروبا. إلّا أنها من المرّات القليلة التي يستخدم فيها المغرب للعبور إلى لبنان.
وبحسب تقرير سابق لـ«سي أن أن» العربية، فإن القضاء المغربي يملك هامشاً من 60 يوماً للتوصّل إلى قرار بشأن الترحيل من عدمه. ومع ذلك، يتطلّب الترحيل، فضلاً عن القرار القضائي، تواقيع كلّ من رئيس الحكومة المغربي ووزيري الداخلية والعدل، ما جعل حالات توقيف مشابهة تنتهي بالإفراج. حتى إنّ عملية الترحيل إجمالاً يمكن أن تتوقّف، إذا ما تمكّن البلد الأم، أي لبنان في حالة تاج الدين، من المطالبة بترحيله إلى بلده الأصلي. إلّا أن ما بدا واضحاً من سياق عملية الاختطاف، أنَّ الإجراءات الروتينية لعملية الترحيل إلى أميركا كانت قد أُعدت سلفاً، ومنها تواقيع رئيس الحكومة والوزيرَيْن المعنِيَّين، حتى إنَّ الحكومة اللبنانية لم تتبلّغ الاعتقال رسمياً إلى وقتٍ متأخر. ولو لم يقم ركّاب من الطائرة بإبلاغ أطراف أخرى في بيروت بعملية الخطف، لما علمت الدولة اللبنانية بالعملية إلّا بعد وقتٍ طويل. وتقول المصادر المتابعة، إنَّ «لبنان لم يملك الهامش الكافي من الوقت للقيام بالإجراءات الروتينية لعملية استرداد تاج الدين»، بل أتت خطوات الاعتقال والتسليم لأميركا سريعةً حتى لا تتمكن السلطات اللبنانية من القيام بالإجراءات المطلوبة لاسترداده. وتقول المصادر إنَّ «الاستخبارات الأميركية اختارت المغرب للقيام بهذه العملية لأنها لا تستطيع القيام بهذا العمل في أوروبا». وعلمت «الأخبار» أن اتصالات عدة أجرتها أكثر من جهة لبنانية مع السلطات المغربية بغية التريّث في ترحيل تاج الدين إلى حين إرسال الطلب رسمياً. ففضلاً عن الاتصالات والمتابعات التي قام بها السّفير اللبناني في المغرب مصطفى حمدان مع السلطات القضائية والأمنية المغربية، واتصال وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره المغربي صلاح الدين مزوار، كلّف الرئيس نبيه برّي وفد نوّاب البرلمان اللبناني المشارك في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الأسبوع الماضي، التواصل مع البرلمان المغربي بشقّيه، ومحاولة حلّ قضيّة تاج الدين واستعادته إلى لبنان. وفي معلومات «الأخبار» أيضاً، أن رئيس إحدى الدول الأفريقية، توسّط لدى الملك المغربي محمد السادس لحلّ القضيّة، و«وعد الملك خيراً»!
تاج الدّين الذي يمثل غداً أمام المحاكم الأميركية للمرة الثانية بعد جلسة استماع أولى يوم الجمعة الماضي، لن يكون وحيداً، بل يراقفه محاميان، أحدهما أميركي والآخر بلجيكي، والمحاميان سبق لهما أن توليّا الدفاع عنه في القضيّة التي رفعتها ضده محكمة في واشنطن بالتهم التي اعتُقل على أساسها. كذلك سبق لتاج الدين أن رفع قضيّة أمام محكمة في نيويورك بسبب العقوبات والقيود التي وضعتها عليه السلطات الأميركية. علماً بأنَّ الدعوى كانت في طريقها إلى الحلّ قضائيّاً بعد تكليف تاج الدين شركة تدقيق أميركية تعمل على الكشف والتدقيق في حسابات الشركة وتقدّم تقاريرها إلى السلطات الأميركية كل ستّة أشهر أو سنة، للتأكد من خلو النشاط التجاري من أي عمليات تبييض أموال أو تهرب من دفع الضرائب.
وفيما يتذرّع الأميركيون بما يسمّونه «مشروع كاسندرا»، ويزعمون أنها «العملية الأمنية التي أدت إلى كشف شبكة تابعة لحزب الله متورطة في عمليات تهريب مخدرات إلى أمريكا وأوروبا والاستعانة بالأموال الناتجة منها لتمويل قتال الحزب المصنف على قائمة الإرهاب في سوريا» في 2015، تبدو عملية اختطاف تاج الدين ومحاكمته أمام القضاء الأميركي ضمن حملة منظّمة بدأت قبل سنوات لاستهداف اللبنانيين في الخارج بحجج «دعم الإرهاب»، ومن المرجّح أن تتصاعد في المرحلة المقبلة، بغية الضغط على المقاومة اللبنانية وتأليب الرأي العام اللبناني عليها بتهمٍ مختلقة. علماً بأنّ تاج الدين، ليس رجل الأعمال اللبناني الأوّل الذي يُختطَف ويُسلَّم لأميركا، خصوصاً في أفريقيا.