في 21 آذار 2017، أعلنت الولايات المتحدة منع حمل أي حاسوب أو آلة إلكترونية يتخطى حجمها حجم الهاتف الجوال، على متن الطائرات الآتية من مطارات تركيا والأردن والمملكة السعودية والكويت وقطر والإمارات والمغرب.
وأعلنت بريطانيا الحظر نفسه بعدما أضافت اسمي لبنان وتونس إلى اللائحة وحذفت منها اسمي دبي والمغرب.
وسأل البعض إذا كان سبب الحظر سرقة المعلومات الموجودة في حواسيبهم، فقيل لهم إن هذا الحظر هو لتأمين سلامتهم، فلم يصدقوا.
وجاء الهجوم الإرهابي في لندن، يوم الأربعاء 22 آذار، ليؤكد تعسفية هذا القرار. فقد وجه الإرهابي خالد مسعود سيارته نحو الرصيف على جسر وستمنستر، فصارت تلطم أو تدهس المارة. وتابع سيره حتى ارتطمت السيارة بسياج قصر وستمنستر، مقر البرلمان بعدما رهست المزيد من الناس. ودخل المجرم باحة البرلمان وطعن شرطيًّا بسكينه فقتله. وقُتل بدوره، تاركًا وراءه بعض القتلى وعشرات الجرحى. وقسم من هؤلاء المساكين هم من المسلمين. حتى إن المرأة التي قُتلت تحمل اسم "عائشة".
لم يركب خالد مسعود على متن طائرة آتية من الشرق الأوسط، فهو إنكليزي وُلد في إنكلترا وجاء إلى لندن على متن سيارة مستأجرة في إنكلترا.
كذلك، يعلم الأميركيون أن منفذي الهجمات الانتحارية في 11 أيلول 2001 لم يختطفوا طائرات أقلعت من مصر أو المملكة السعودية أو الأردن أو سوريا، بل طائرات أميركية أقلعت من الولايات المتحدة نفسها.
ويعلمون أيضًا أن بعض هؤلاء الانتحاريين لم يصبحوا إرهابيين في أوطانهم، بل في أميركا أو أوروبا. هكذا تلقن ثلاث شبان سعوديون دروس الإجرام على يد الداعية الأميركي أنور العولقي، الذي وُلد في أميركا وصار إمامًا في جامع سان دييغو في كاليفورنيا. وغيرهم تلقن هذه الدروس في ألمانيا.
أما القاتل الداعشي محمد إموازي الذي يلقبه الإنكليز بـ"جهادي جون"، فهو من تربية إنكليزية، أعطته إنكلترا الجنسية وصدرته إلى الشرق حيث زرع المآسي قبل أن يُقتل بدوره.
كذلك صدرت إنكلترا الداعية الإنكليزي من أصل سوري عمر بكري فستق، الذي غادر لندن سنة 2005 وجاء إلى لبنان حيث ينادي بمحاربة اللبنانيين الذين يعدهم كفارًا، وأولهم الدولة اللبنانية، والجيش اللبناني، المسلمون الذين لا يحاربون إخوانهم المسيحيين، فهم رمزُ تعايش يرفضه. وقد ابتهج لموت رفيق الحريري (لأن الحريري حارب الإرهاب الإسلامي)، واتهم سائر آل الحريري بالترويج لتحول ابنته ياسمين فستق من الحجاب إلى الرقص في الكباري، وهي شبه عارية، وثدييها منتفخين بعد إجراء عملية تجميل. وتقول ياسمين فستق إنها اشمأزت عندما سمعت بأقوال أبيها الداعي إلى القتل والعنصرية، وهي تحبه ولا تعرفه على هذا الشكل. ومن كثرة يأسها، خلعت الحجاب ورمت بجسدها في الرقص والعري.
وتحت تأثير عمر بكري فستق، تحول الإنكليزي تريفور بروكس الذي يكنّى بـ"أبي عز الدين"، إلى الإسلام المتشدد. ونادى في شوارع لندن، بإسقاط النظام لضم إنكلترا إلى الخلافة. ووعد الإنكليز والأميركيين والفرنسيين وغيرهم، بفرض الشريعة الإسلامية عليهم. وسخر من المسلمين الإنكليز والفرنسيين الذين يحبون وطنهم. وفي الجامع، نادى بالجهاد المسلح، واستند إلى نصوص تقول بقتل كل مَن لم يكن مسيحيًّا أو يهوديًّا أو زردشتيًّا، مما يعني الإبادة الجماعية للشيعة والعلويين والإسماعيليين والدروز والملحدين واليزيديين والبوذيين والهندوسيين، الخ. كذلك، بمحاربة المسيحيين والمجوس واليهود حتى إخضاعهم... وإذا قاوموا، بقتل كل مَن كان عمره 15 سنة أو أكثر، ثم بنهب ممتلكاتهم، وبسبي نسائهم وبناتهم، وباغتصابهن وببيعهن كعبيد، وببيع الصبيان إذا كانوا دون الـ15. والنصوص نفسها تقول بجلد المسلم السني كل مرة يشرب الكحول، وبقتله إذا فعل ذلك تكرارًا، أو إذا تحول إلى دين آخر، أو إن لم يقم بكل الصلوات في وقتها المحدد، أو إذا انتقد مفهوم الجهاد والحج، أو إذا رفض محاربة مواطنيه حين يأمره الإمام بذلك.
وقد أوقف الإنكليز أبو عز الدين سنة 2008 لأنه كان يموّل الإرهاب. وبعد سنة خرج من السجن نتيجة خفض عقوبته، ومُنع من مغادرة البلاد. لكنه هرب من مرفأ دوفر، واجتاز بحر المانش ثم البلدان الأوروبية كلها بفضل اتفاق شنغن، فأوقف في المجر لأنه لم يقدم أي بطاقة سفر أو هوية سوى القرآن، فلم يقبلها المجريون، فأعادوه إلى إنكلترا حيث سُجن.
وأنجم شودري، وهو أيضًا تلميذ عمر بكري فستق، يقول إن "لا وجود لمسلم لا يكره المسيحي أو اليهودي"، أي أن هذا المسلم، على حد قوله، هو مرتدّ، ويجب قتله.
أبو عز الدين وعمر بكري فستق وأنجم شودري وغيرهم يسيطرون على دويلة صغيرة في لندن، فيها محاكم خاصة بها، يُطلَق عليها لقب "لندنستان"، لأنها شبه خارجة عن إنكلترا، ولا تتبع قوانينها من ناحية تعدد الزوجات واحترام المرأة. استولى عليها أشرس إسلاميي العالم، إذ إن الدولة البريطانية كانت مخجولة من ماضيها الاستعماري، فأعطتهم حرمة سمحت لهم ببناء هذه الدولة ضمن الدولة. وينادي رؤساء "لندنستان" بالثورة على النظام الإنكليزي الديمقراطي وبكسر الشعب وبإخضاعه لشريعتهم. ويتكلمون علنًا برفع راية الإسلام في مقر رئاسة الحكومة البريطانية.
أي لبناني أو سوري أو تركي أو أردني أو سعودي أو مصري وافد من بلاده قد يشكل على إنكلترا خطرًا يوازي الخطر الذي يشكله رجال يعيشون هناك وينادون من وسط لندن بالجهاد ضد الإنكليز أي بقتلهم، ويحولون أعدادًا من الإنكليز المسيحيين أو المسلمين إلى إسلاميين؟.
على العكس، فإن إنكلترا وسائر الغرب، هم مَن صدّروا إلى الشرق عشرات الآلاف من "الجهاديين"، لأنهم يقبلون بالخطابات التي تحرّض على القتل، ولا يمنعون الكتب التي تأمر القتل.
لكل هذه الأسباب، أنا أقترح على الإنكليز منع الحواسيب على طائرات "البريتيش أيروايز" قبل "الميدل إيست"، لأن الـ"لندنستان" موجودة في لندن وليس في بيروت. إذًا، خطر حدوث حادث إرهابي، هو أكبر بكثير على طائرة وافدة من لندن، مما هو على طائرة آتية من بيروت. فالجيش اللبناني يقاوم الأصوليين وينتصر دومًا عليهم، أكانوا فتح الإسلام أو داعش أو النصرة، أو القاعدة، أو غيرهم. ولا يخسر شبرًا من الأرض. مَن يجرؤ في أي شارع من شوارع وسط بيروت على التكلم برفع علم الجهاد على "السراي" وبفرض الشريعة في لبنان، كما فعل أبو عز الدين وعمر بكري فستق وأنجم شودري وغيرهم في شوارع وسط لندن؟.
صمود الجيش اللبناني هو ما يحمي لندن من مجيء قوافل المئات من المجانين من أنواع أبو عز الدين وعمر بكري فستق وجهادي جون وأنجم شودري وأنور العولقي.
فمسلمو لبنان ليسوا كهؤلاء. تذكروا زياد الجرّاح، اللبناني الوحيد الذي شارك بتنفيذ الهجوم على الأميركيين يوم 11 أيلول 2001. كان تلميذًا في مدرسة الحكمة وكان يحب أن يتطوع مع رفاقه في نشاطات إجتماعية لمساعدة المدمنين. أين تحول إلى الإرهاب؟ ليس في لبنان، بل في أوروبا حيث ذهب ليكمل دراسته.
عشتم وعاش السلام والأمان والوئام بعيدًا عن الإرهاب الذي يبدأ بالكلمة وينتهي بالتنفيذ.