لا يؤثر انشغال أكراد سوريا بالمعارك المحتدمة شمال البلاد وأبرزها حاليا معركة تحرير الرقة، على المسار الذي يسلكونه منذ فترة بهدف ترسيخ مقوّمات الفدرالية في مناطقهم. فبالتزامن مع الاعلان عن تدريبات عسكرية ستتلقاها "وحدات حماية الشعب الكردية" من القوات الروسية التي باتت متمركزة في منطقة عفرين بناء على اتفاق ثنائي تم التوصل إليه، ويأتي في إطار "التعاون ضد الإرهاب"، تم الكشف عن مسعى لزيادة عدد هذه القوات (الوحدات) بواقع الثلثين إلى أكثر من 100 ألف مقاتل هذا العام.
ولا تقتصر الاستعدادات الكرديّة على المجال العسكري، بل تتعداه الى التحضير لاجراء انتخابات ينتج عنها "مجلس شعب" وحكومة موحدة لما يسميه الاكراد "الأقاليم" الـ3، عفرين، الجزيرة وكوباني. فبعد اعتمادهم نهاية العام 2016 الماضي دستورا يحدد معالم النظام الفيدرالي الذي أعلنوه في شهر آذار من العام نفسه في مناطق سيطرتهم في شمال سوريا، وأطلقوا عليه اسم "العقد الاجتماعي"، ها هم شارفوا على الانتهاء من اعداد قانون انتخابي يلحظ التقسيم الاداري للمناطق، ويسعون لاجراء انتخابات هذا الصيف ينتج عنها مجالس مناطق وأقاليم كما مجلس شعب وحكومة يكون لها رئيسان مشتركان أحدهما رجل والآخر امرأة.
وفي هذا الاطار، قالت هدية يوسف، الرئيسة المشتركة للمجلس التأسيسي للفدرالية الديمقراطية شمال سوريا لـ"النشرة" انّه "سيكون لكل اقليم مجلسه الخاص الذي يسمى بمجلس شعوب الاقليم، كما سيكون له مجلس تنفيذي يشرف ويدير فعالياته الإدارية عن طريق هيئات في نطاق الاقليم، على ان تتمثل في هذه المجالس كل مكونات الأقاليم وليس المكون الكردي"، لافتة الى انّه "سيكون هناك مجلسا موحدا للأقاليم الـ3 يسمى "مؤتمر الشعوب الديمقراطي"، كما مجلسا تنفيذيا بمثابة حكومة شمال سوريا".
وبموازاة العمل على انتخاب وتشكيل هذه المجالس، بدأت التحضيرات لرفع عدد "وحدات حماية الشعب" التي تشكلت في العام 2011 لتصبح منتصف العام الجاري مؤلفة من 100 ألف عنصر. وأوضح سيبان حمو القائد العام لوحدات حماية الشعب في حديث مع "النشرة"" ان "زيادة عدد مقاتلي ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة هو مشروع وقرار داخلي"، لافتا الى ان الوصول الى 100 الف مقاتل ومقاتلة "هدف مرحلي ونحن نتطلع الى اكبر من هذا العدد وفتح المجال امام كل الشباب والفتيات للانضمام الى هذه القوات لتأسيس جيش شعبي يكون بمثابة جيش لفدارالية شمال سوريا ولتكون قوة ضامنة في التصدي للارهاب بشكل عام". وأشار حمو الى أن "الخطر لا يأتي فقط من داعش، فهناك اخطار من بعض دول الجوار تهدد ما انجزته الشعوب والمكونات في شمال سوريا و"روج آفا" بالاضافة لاحتمالية اي تهديد من البعثيين مستقبلا. وعلى هذا الاساس نهيّء هذه القوة لتكون مستعدة لمواجهة كل هذه الاخطار ضمن قوات سوريا الديمقراطية"، مؤكدا ارتباطهم بـ"ارادة سياسية تطالب بسوريا ديمقراطية فدرالية، فليس لدينا اي هدف في تقسيم او اعلان دولة مستقلة". واعتبر حمو أنّه "وفي اطار سوريا ديمقراطية فدرالية تستطيع وحدات حماية الشعب والمرأة ان تكون جزءا من الجيش الوطني المستقبلي لسوريا واساسا لبنائه".
ويسير أكراد سوريا بخطى ثابتة باتجاه تحقيق أهدافهم باعتبار أنّهم يتمتعون الى حد بعيد برعاية أميركية–روسية. فبعدما كانت وحدات الحماية الكردية الحليف العسكري الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا وتلعب دورا مهما في العمليات التي تدعمهما واشنطن ضد تنظيم "داعش"، أقامت الوحدات كذلك علاقات مع روسيا وتم الاعلان مؤخرا عن تمركز قوات موسكو في عفرين لتدريب القوات الكردية. وان كان هناك من يعتقد ان القوى الدولية تستخدم الأكراد حاليا لتنفيذ مشاريعها في سوريا على ان تتخلى عنهم في وقت لاحق، الا ان القوة الكبيرة التي باتوا يتمتعون بها ان كان من الناحية العسكرية او من ناحية ادارة مناطقهم ستجعل من الصعب جدا الانقلاب عليهم في المرحلة المقبلة من دون ان يؤسس ذلك لصراع جديد طويل الأمد.
ويعتبر رئيس مركز "الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري–انيجما رياض قهوجي، ردا على اعلان الأكراد نيتهم زيادة عدد وحدات الحماية الى 100 ألف مقاتل، أنّه "اما هناك مبالغة في الأعداد والأرقام التي يتم تداولها باطار المبالغة من الجانب الكردي لاظهار اهميته، ام ان هناك نوايا أميركية–روسية بالمساهمة بانشاء نوع من كيان كردي لفرض أمر واقع، مع ترجيح ان يكون الدور الروسي هنا أكبر، في حال صح الأمر"، لافتا في تصريح لـ"النشرة" الى ان "الاقدام على عمل مماثل هو تحضير لحروب مستقبلية اثنية في المنطقة لأن تركيا لن تقبل بنشوء كيان كردي، كما أن السوريين سواء كانوا في صفوف النظام او المعارضة لن يقبلوا بهكذا كيان بهذا الحجم والقوة".