بعد مضي ست سنوات ونيّف على الحرب الكونية على سورية ودولتها الوطنية، استطاعت الدولة الوطنية السورية أن تصمد وتواجه وتقاوم، وتحطّم سلسلة الحلقات المتواصلة والمترابطة من المؤامرة الكبرى، وتمكنت مع حلفائها أن توسّع، بفضل جيشها وقواتها المسلحة، سيطرتها على مساحات شاسعة من الخريطة السورية، خصوصاً في المناطق الآهلة بالسكان، كحال حلب وريفها، في نفس الوقت الذي تمكنت الدولة من توفير استمرار شبكة الأمان الاجتماعية والتربوية والتعليمية لشعبها، الأمر الذي أذهل الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين في العالم، مما جعل مطلب عودة الدولة إلى المناطق التي يسيطر عليها الإرهاب مُلحّاً، وانعكس ذلك مرات كثيرة بمواجهات بين الناس والمجموعات التكفيرية الإرهابية التي استعملت وسائل القتل والإعدام الجماعي لـ"تأديب" الناس وترويعهم، دون أن يرف جفن للعالم "المتمدن".
وكما في كل دورات المؤامرة الكبرى على مدى السنوات العجاف، كانت مع كل تقدّم نوعي للدولة الوطنية تبرز الفبركات الإعلامية، وتركيب الأفلام ضد الدولة وجيشها.
هذه المرة يبدو أن حلف العدوان على سورية، ومع تلاويح بداية تغيير حقيقي في المواقف الأميركية والدولية من دمشق، سارع حلف الخاسرين في المنطقة إلى تجديد هجومه باشكال مختلفة أبرزها:
1- العدو "الإسرائيلي" شنّ غارات على مواقع سورية، بذريعة استهداف قافلة لحزب الله، لكن الرد السوري النوعي على الغارات أذهل العدو، وكانت نتيجته سقوط طائرة حربية وأخرى استطلاعية للكيان الصهيوني.
وبهذا شكّلت عملية الردع الصاروخية السورية وموقف موسكو الحازم من هذا العدوان الصهيوني، عملية ردع حقيقية لأي تفكير مستقبلي بالعدوان على سورية.
2- هجمات شاملة لـ"جبهة النصرة" وحلفائها وأتباعها بغطاء تركي - خليجي، حيث تفيد المعلومات أن أكثر من عشرة آلاف مرتزق من "نخبة المقاتلين" لديها، مع نحو عشرين ألف مسلح إرهابي من المسلحين الهمجيين والرعاع شاركوا أيضاً في هذه الهجمة التي لقيت صدّاً صاعقاً، وتمكّن الجيش السوري وحلفاؤه بسرعة قياسية من استرداد واسترجاع كل ما تمكّن الإرهابيون من السيطرة عليه، والهجوم المعاكس ما يزال مستمراً، حيث يتم تدمير الأنفاق وتحرير مناطق جديدة، بالإضافة إلى مصرع آلاف المرتزقة، وتحطيم سلاحهم وعتادهم، في نفس الوقت الذي كان الجيشان السوري والعراقي يحققان انتصارات نوعية على "داعش"، ويحرزان مزيداً من التقدم.
في ظل التطور الميداني الذي ترجح كفّته بشكل واضح لصالح الجيش السوري، وفي ظل الارتباك التركي، والخسائر السعودية المتصاعدة في اليمن، وتلقّيها المزيد من الخيبات
والخسران في سورية، وفي ظل التطوّر الأميركي الذي عبّر عنه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب باستعداده للحديث المباشر مع الرئيس بشار الأسد، والتفاوض معه والإعلان الأميركي أن بقاء الأسد من عدمه لم يعد من أولويات واشنطن، وأن الشعب السوري هو من يقرر ذلك، وهو ما أخذ ينعكس على مواقف أتباع واشنطن؛ الأوروبيين، جاءت أكذوبة الكيماوي، التي بدأت فور انتشارها تتضح مدى كذبها، فاتُّهم فيها الطيران الروسي بذريعة ردّ موسكو على العملية الإرهابية في سان بطرسبرغ، لكن روسيا ردّت بحزم، مفنِّدة الأكاذيب بأن طيرانها لم يُغِرْ بتاتاً في ذاك اليوم، فكان الاتهام جاهزاً بتوجيه الاتهام إلى الجيش السوري، وبدا واضحاً من الإعلام الخليجي، خصوصاً السعودي والقطري، والإعلام الصهيوني، أن هناك تنسيقاً تاماً وشاملاً ومحضّراً سلفاً لتوجيه أصابع الاتهام.
بأي حال، فواشنطن التي فبركت وصنعت في عام 2013 أكذوبة الكيميائي السوري، تعرف تماماً هذه المرة من صنع الأكذوبة المتجددة، وغايتها، ولهذا إذا كانت قد "استنكرت" ما سمّته "المجزرة"، فهي لن تصل إلى حد تحقيق أحلام حلف المتآمرين أو الخاسرين، فهؤلاء سترى واشنطن كيف ستدفّعهم الثمن، وهي بالتأكيد لن تخوض الحرب لمصلحتهم، فواشنطن تضعهم في مرتبة الأتباع ليس إلا، وعليهم أن يحافظوا على هذه المكانة فقط، لأن مشروعها توظيفهم فقط في صراعاتها المفتوحة.. وأكذوبة الكيميائي قد تؤخّر معركة إدلب لكن لن تلغيها، وكل الاحتمالات واردة.