من الناحية العملية، قد لا تجوز المقارنة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، لكن في الصورة العامة يبدو أن الملياردير المثير للجدل سيتفوق على "زعيم المختارة" في سرعة التقلب في المواقف على نحو غير مسبوق، فـ"البيك" كان يأخذ بعض الأشهر بين الموقف والمناقض له، لكن ترامب على ما يبدو لا يحتاج إلا لأيام قليلة.
في نهاية الاسبوع المنصرم، كان كل التركيز الإعلامي ينصب على الإهتمام بتداعيات المواقف الأميركية الجديدة، التي أكدت أن محاربة الرئيس السوري بشار الأسد لم تعد أولوية البيت الأبيض بل محاربة الإرهاب، فوزير الخارجية الأميركي ريك تيلرسون تحدث من العاصمة التركية أنقرة عن أن مصير الأسد يقرره الشعب السوري، الموقف الذي ترافق مع كلام للمندوبة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هالي عن أن "أولويتنا لم تعد الجلوس هناك والتركيز على إزاحة الأسد"، بينما الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر لم يتردد في الحديث عن "واقع سياسي علينا قبوله لناحية المكان الذي وصلنا اليه الآن".
إنطلاقاً من هذه المواقف الواضحة عن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، بدأ الكثير من المتابعين يتحدثون عن تغيير في نظرة واشنطن إلى مستقبل الأحداث السورية، وذهب البعض بعيداً في الحديث عن حسم انتصار الرئيس الأسد على أعدائه في المعركة الممتدة من العام 2011، لكن ما هي إلا أيام قليلة حتى سيطرت الأنباء عن قصف مدينة خان شيخون بالأسلحة السامة على المشهدين الإعلامي والسياسي في العالم.
حتى الآن، هناك عدة روايات لما حصل في خان شيخون لكن أبرزها: الأولى تتحدث عن قصف قامت به طائرات تابعة للجيش السوري مستخدمة هذا النوع من الأسلحة المحرمة دولياً، والثانية صدرت عن وزارة الدفاع الروسية تشير إلى أن الطائرات قصفت موقعاً للجماعات المسلحة كانت تخزّن فيه أسلحة كيميائية، لكن المهم في ما حصل هو التبدل السريع الذي طرأ على الموقف الأميركي.
في اليومين الماضيين، ركزت أغلب التصريحات الصادرة عن مسؤولين في الولايات المتحدة عن تجاوز دمشق الخطوط الحمراء، في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمة الأسلحة الكيميائية التي انفجرت قبل سنوات قليلة، لكن الأبرز كان تهديد مندوبة واشنطن في مجلس الأمن الدولي نيكي هالي بالذهاب إلى عمل عسكري أحادي ضد الحكومة السورية، في حين عبر ترامب عن تغيير مفاجىء في سياسة إدارته حيال الأزمة السورية، ليقطع الطريق أمام المراهنين على إمكانية الإنتقال إلى مرحلة ثانية إيجابية من الأزمة بناء على تصريحاته السابقة.
على هذا الصعيد، تطرح علامات الإستفهام حول الخيارات التي يملكها الرئيس الأميركي بالنسبة إلى الواقع السوري في ظل التهديدات الجديدة، وفي ظل التحضيرات التي تقوم بها قواته للإنطلاق نحو معركة تحرير الرقة من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، فهل هو على استعداد لتوتر بالعلاقة مع الحكومة الروسية بحال قرر الذهاب إلى عمل عسكري أحادي ضد مواقع ومراكز الجيش السوري، في الوقت الذي تعتبر فيه موسكو هذا الأمر من الخطوط الحمراء، نظراً إلى أنها تدعم دمشق بكل الوسائل الممكنة وترى أن أي إضعاف لها هو إضعاف لنفوذها؟!.
من حيث المبدأ، واشنطن لم تبدّل موقفها من الأزمة السورية، لا عند الحديث عن أن مصير الرئيس الأسد يقرره الشعب السوري ولا عند إطلاقها التهديدات في الأيام الماضية، فهي تدرك جيداً القواعد التي تحكم الميدان العسكري، وموافقة عليها أيضاً، ضمن لعبة تقاسم مناطق النفوذ مع موسكو، لكنها تريد أن تستغل ما حصل في خان شيخون للإستفادة منه على الصعيدين الإعلامي والسياسي.
في المحصلة، ترامب لا يرغب بالدخول في منافسة مع رئيس "اللقاء الديمقراطي"، لكنه من دون أدنى شك يريد إستغلال أي أمر لتحقيق مصالح بلاده في الصراع الدولي والإقليمي القائم في المنطقة.