كانت القمة العربية الثامنة والعشرون باهتة بكل المقاييس؛ باهتة بحركتها وحيويتها.. باهتة بنتائجها ومقرراتها.. باهتة حتى بكلماتها.. ولولا تلك الصرخة الوجدانية التي أطلقها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في وجه الزعماء العرب، لحقّ القول إن هذه القمة تشبه المكان الذي انعقدت فيه، ولكان البحر الميت بمياهه الراكدة وملوحته المدقعة أكثر حيوية من هذه القمة.
حتى أن كلمة الرئيس عون ستبقى صرخة في وادٍ، فالقادة العرب في وادٍ آخر، وليس في مقدورهم القيام بأي خطوة عملية، لأنهم ليسوا في موقع الفعل.. حتى أنهم لم يجدوا ما يختلفون عليه، ولو من باب المناكفة التي كانت تشكّل في القمم العربية عامل تسلية وتندّر للمواطنين العرب.. ولعل أصدق كلام قيل في هذه القمة ما نُقل عن مضيفها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من أن "القادة العرب لا يمونون على أي ملف من ملفاتها، فلماذا يختلفون وهم غير مؤثرين في هذا المجال"؟ وعليه كانت القمة الأقل توتراً في تاريخ القمم العربية، لأن التوتر في هذه الحال يكون لزوم ما لا يلزم.
لقد كانت قمة البحر الميت الأكثر انسجاماً مع الواقع العربي المعلَّق إلى ما شاء الله، على شماعة الدول الكبرى، بعدما فشلت كل الخطط المكلفة لتغيير الواقع في بعض البلدان العربية، خصوصاً في سورية والعراق واليمن.. ويعلم الله إلى أي مدى سيستمر هذا الواقع في ظل إصرار بعض الدول على مواقفها التي لم تؤدِّ إلى النتائج المتوخاة.
قبل "الربيع العربي" كانت القمم العربية تتكئ إلى "سيبة" ثلاثية، تشكل مصر وسورية والسعودية ركيزتها الأساسية، وقد سقطت هذه "السيبة" في بحر الخلافات المستحكمة والقرارات غير المدروسة، فسورية مغيَّبة عن القمم بقرار عربي لا يخلو من النكد، ومصر حاضرة غائبة بفعل أزماتها وهمومها الداخلية، والسعودية وحدها لا تستطيع أن تدير دفة الأمة، بعدما فقدت دورها التوفيقي وغرقت في لجّة الحروب المستعصية على الحل، وعليه أصبحت القمم بلا ركائز، ومن الطبيعي أن يكون مآلها تلك الصورة الباهتة التي كانت عليها قمة البحر الميت، لدرجة لم تجد الصحف العالمية ما يُكتب عنها.