في الساعات الماضية أبلغ الروس القيادة السورية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إتخذ قرار توجيه "ضربة محدودة" لإحدى القواعد العسكرية الجوية في سوريا.
تبرير البيت الأبيض إنطلق من عناوين متداخلة: مشهد خان شيخون، المزايدات الأميركية داخل الولايات المتحدة، وضغوط "الإستابلشمنت" على ترامب.
تسلمت دمشق المعلومات الروسية وإتخذت تدابير سريعة بسحب الطائرات الحديثة من مطار شعيرات في ريف حمص ومطار الضُمير العسكري في ريف العاصمة السورية.
رفع الأميركيون والروس سقوف تصريحاتهم بشكل أوحى أن واشنطن لم تبلّغ موسكو، رغم أن الأوروبيين تسابقوا على الإفتخار بمعرفتهم بالضربة مسبقاً.
فهل إنتهت العملية الأميركية عند هذا الحد؟
كل المؤشرات توحي بأن حدود الضربة العسكرية لسوريا يقتصر على الإستهداف الذي طال مطار الشعيرات. لا حاجة أميركية لمزيد من الضربات. ولا قدرة لواشنطن على فتح جبهة عسكرية ضد سوريا.
هناك مكاسب حققها ترامب. واكتفى.
أجهض البيت الأبيض الضغوط الداخلية التي عرقلت حتى الآن بتوجهاته السياسية تجاه موسكو بعد إطاحة "الإستابلشمنت" بعدد من سياسييه، إستوعبت الحملة الإعلامية والسياسية العالمية التي قادها أميركيون تحت عنوان "الهجوم الكيميائي السوري على خان شيخون"، أثبت للجمهوريين والديمقراطيين أنه قادر على إتخاذ القرار الحاسم بمعزل عن موافقة الكونغرس والمؤسسات الأميركية عندما تدعو الحاجة.
قدّم ترامب للأوروبيين دليلاً على أن إدارته تستطيع التحرك عسكرياً وسياسياً على مساحة العالم بمرونة من دون أي إنكفاء أو تراجع.
إستوعب ترامب الضغوط الإسرائيلية التي تثيرها تل أبيب بشأن سوريا ليُعلن الإمساك بزمام المبادرة.
صرف ترامب أول شيك سعودي من الرصيد المالي والسياسي الذي قدّمه ولي ولي العهد محمد بن سلمان لواشنطن خلال زيارته مؤخراً إلى الولايات المتحدة.
بالضربة الأميركية التي طالت مطار الشعيرات، أرسل ترامب رسالة للأتراك مختصرها: الأمر لي.
الأهم أن العملية العسكرية طالت الإيرانيين بطريقة غير مباشرة، وقد تسمح للإسرائيليين لاحقاً باستهداف حزب الله. فماذا لو افتُعلت حادثة "كيميائية" أخرى في مناطق محسوبة على المعارضة؟؟ هل يكون الرد أميركياً بصواريخ توما هوك؟ أم أنه يتوسع؟؟
عندما قرر الأميركيون شن حرب على العراق، استغرقت التحضيرات ستة أشهر من التخطيط والتحشيد العسكري والسياسي والاعلامي بمواكبة دولية واسعة.
اليوم لا قدرة أميركية على شن حروب مماثلة غير واردة أساساً في أجندة البيت الأبيض، عدا عن العجز الأوروبي والعربي والعسكري والمالي عن فتح جبهات مماثلة خصوصاً أن الإرهاب يتمدد ليسيطر على مساحات واسعة ويهدد عواصم العالم.
المفارقة أن الإبتزاز للسوريين أصبح أكبر.
ستحاول واشنطن فرض سياسات على الرئيس بشار الأسد. ستطالب بإبعاد الإيرانيين وحزب الله عن سوريا. قد يتوسع الإبتزاز إلى حدود فرض التقسيم مجدداً على مساحة الشرق والشمال السوري.
دمشق ترفض الرضوخ للمطالب الأميركية–الاسرائيلية بخروج سوريا من "محور المقاومة". تستند دمشق إلى حليفتها روسيا في رسم السياسات الاستراتيجية. هنا يبدو الإمتحان. ولذلك ستكون الأشهر المقبلة حافلة بالمؤشرات.
الحرب الأميركية على سوريا لم تحمل جديداً. لم تبدأ كي تنتهي. لكن الصراع مفتوح في الميادين السياسية والعسكرية، هي حرب محاور أكثر مما هي معركة السوريين. وفي هذه الحرب محطات عدة. إحداها صواريخ اميركية استهدفت مطار الشعيرات.