سيطر التصعيد الأميركي عبر إستهداف مطار الشعيرات على المشهدين الإعلامي والسياسي الإقليمي والدولي، في ظل المخاوف من أن يكون لهذه الخطوة تداعيات كبيرة على مستوى الأزمة السورية.
على هذا الصعيد، جاء سريعاً الرد من دمشق وحلفائها، لا سيما الحكومة الروسيّة التي أعلنت عن تعليق اتفاقية السلامة الجوية مع واشنطن، بينما ذهبت إيران إلى القول أن واشنطن ما زالت تقاتل إلى جانب تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، لكن ماذا عن التداعيات المحتملة؟
حجج واهية
في هذا السياق، هناك إجماع من جانب سوريا وحلفائها على التأكيد بأن هذه الخطوة هي عدوان على السيادة السورية يستند إلى حجج واهية، حيث يؤكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبدالله، في حديث لـ"النشرة"، أن الضربة الأميركية مخطط لها مسبقاً، ويعتبر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستعرض، ويريد أن يقول أنه الرئيس القوي المختلف عن سلفه باراك أوباما، ويضيف: "الرسالة هي للحلفاء بالدرجة الأولى".
ويشير أبو عبدالله إلى أن هذه الضربة كشفت أن هناك معسكرين لا لبس فيهما على الساحة السورية، الأول تقوده واشنطن ويضم جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" وباقي القوى الإقليمية، والثاني يضم حلفاء سوريا من روسيا وإيران والصين و"حزب الله"، ويتابع: "كل من يقف مع هذا العدوان هو متضرر من الإنتصارات التي يحققها الجيش السوري على الجماعات الإرهابية".
من جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي الإيراني محمد هاني زاده، في حديث لـ"النشرة"، أن التصعيد الأميركي الجديد يوحي بأن الولايات المتحدة تريد الإنتقال إلى مرحلة جديدة، تقوم على أساس تنفيذ سيناريو قريب من الذي نفذ في العراق وليبيا، لكنه يشير إلى أن الوضع في سوريا مختلف كلياً. ويرى زاده أن ما حصل جاء نتيجة الضغوط التي يمارسها اللوبي الإسرائيلي وبعض الدول العربية على الرئيس الأميركي، ويؤكد بأن سيناريو خان شيخون ملفق، ويعتبر أن هناك رغبة في شل القوة العسكرية الجوية السورية خدمة لمصالح إسرائيل.
بدوره، يوضح رئيس مكتب صحيفة "الحياة" في موسكو رائد جبر، في حديث لـ"النشرة"، أن ردة الفعل الروسية كانت متوقعة على المستوى السياسي، حيث كان التأكيد على أن ما حصل يعد مخالفة للقانون الدولي وهناك دعوة لعقد جلسة لمجلس الأمن لإدانة التصعيد الأميركي، أما على المستوى العسكري فكان الإعلان عن التوجه نحو تعزيز الدفاعات الجوية الروسية.
على الرغم من ذلك، يرى جبر أن هناك محاولة من جانب روسيا لتحجيم هذه الخطوة عبر القول أنها كانت محدودة، ويلفت إلى أن موسكو تركت باب الحوار مفتوحاً مع واشنطن عبر حديث وزير الخارجية سيرغي لافروف عن أن بلاده تبلغت بالدوافع والأهداف مسبقاً، ويشير إلى أن موسكو تنتظر يوم الثلاثاء المقبل وزير الخارجية الأميركية الذي سيزورها للمرة الأولى بعد تعيينه.
التكرار يفجر المنطقة
على صعيد متصل، بدأت منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الضربة الأميركية لمطار الشعيرات تطرح العديد من السيناريوهات والتوقعات بالنسبة إلى مستقبل الأزمة السورية، بالإضافة إلى إحتمالات الرد التي وصلت إلى حد الحديث عن إندلاع مواجهة إقليمية أو دولية، إلا أن أبو عبدالله يوضح أن المحور الذي يقف إلى جانب دمشق أبلغ الجانب الأميركي بأن أي ضربة جديدة ستعني إشعال حرب إقليمية لا أحد يعرف كيف تنتهي، ويشير إلى أن حجم الضربة الأخيرة محدود يذكره بطلب الرئيس الأميركي السابق من موسكو السماح بتنفيذ بعض الضربات الصغيرة كي لا يظهر بموقع الضعيف.
ويوضح أبو عبدالله أن رد الفعل السوري سيكون عبر الإستمرار في عملية محاربة الإرهاب، ويشدد على أنه لن يكون هناك من ردود أفعال عشوائية كما يظن البعض، بل سيتم التعامل مع الموقف خطوة بخطوة.
بالنسبة إلى زاده، الوضع سيكون أكثر تعقيداً على الساحة السورية في حال إستمر هذا العدوان عبر شن المزيد من الضربات، لا سيما أن التصعيد الأميركي كان بمثابة رسالة إلى كل من الصين وروسيا وإيران وسوريا، ويشدد على أن موسكو تريد في الوقت الراهن الذهاب إلى حل دبلوماسي، لكن الأمور في نهاية المطاف قد تصل إلى مواجهة عسكرية ربما تصبح على مستوى المنطقة.
من جانبه، يشير جبر إلى أن موسكو تتجه نحو الحوار رغم التصعيد الأميركي، لا سيما أنها تعلم بأن ترامب لا يريد أن يقلب موازين القوى بل يهدف إلى التخفيف من حدة الضغوط التي تفرض عليه على المستوى الداخلي، بالإضافة إلى تحسين شروط التفاوض، ويرى أن الضربة كانت محدودة لن تتكرر، ويضيف: "في الأصل الولايات المتحدة موجودة في سوريا وهي ذاهبة نحو إطلاق عملية تحرير مدينة الرقة".
في المحصلة، لا يرى المحور الداعم لدمشق أن هناك رغبة أميركية في تفجير الأوضاع في سوريا، ويعتبر أن ما حصل هو بمثابة إستعراض له أهداف أخرى، لكنه في المقابل يؤكد بأن أي تصعيد جديد قد يؤدي إلى إنفجار المنطقة برمتها.