أثار التفجيران الإرهابيان في مصر الكثير من علامات الإستفهام حول الإستهداف المتكرر للكنائس في "أرض الكنانة" خلال المناسبات الدينية، في حين لم تنجح الإجراءات الأمنية في حماية المؤمنين.
على هذا الصعيد، كانت هذه الإعتداءات متوقعة، نظراً إلى التهديدات التي كان تنظيم "داعش" الإرهابي قد أطلقها في الفترة الماضية، والتي أعاد التأكيد عليها في تبنّيه تفجيري طنطا والإسكندرية، فمن يتحمّل المسؤولية وهل هناك تقصير أمني وماذا عن الفتاوى التحريضية؟
تقصير أمني!
في هذا السياق، يرى المحامي السابق للكنيسة الأرثوذكسية في مصر والناشط السياسي رمسيس النجّار، في حديث لـ"النشرة"، أن التقصير الأمني كان واضحاً فيما يخص تأمين الكنائس المصرية، ويشير إلى ضرورة تغيير السياسات الأمنية للتعامل مع الجماعات الإرهابية وإلا يتم الاكتفاء بتغيير قيادات أمنية صغيرة كمدير أمن الغربية.
ويتحدث النجّار عن إستهداف يتعرض له المسيحيون في العالم، ليس فقط في بلده، يعود إلى نزعة إسلامية متشدّدة، ويلفت إلى أن تكرار مثل هذه الجرائم في مصر يعود إلى أن الإسلام فيها هو بشكل عام جزئي أصولي، ويضيف: "حماية المسيحيين هو من مسؤولية العالم أجمع وليس فقط الحكومة المصرية، وهناك ضرورة لدعم هذه الحكومة في كافة المجالات الإقتصادية والمادية والعسكرية إذا اقتضى الأمر لإبادة الفكر المتطرف قبل الفعل".
من جانبه، يشير الخبير الأمني المصري اللواء مجدي مظلوم، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الدولة المصرية مستهدفة، ويوضح أن هناك أجهزة مخابراتية تسعى لإسقاطها، ويذكر بالحصار السياسي والإقتصادي السابق.
بالإضافة إلى ذلك، يلفت اللواء مظلوم إلى العمليات الناجحة التي تقوم بها القوات المسلحة في سيناء، ويرى أن اليوم هناك إستهداف للوحدة الإجتماعية عن طريق الهجمات على الكنائس.
من وجهة نظر اللواء مظلوم، لا يمكن الحديث عن تقصير أمني في حماية الكنائس، لا سيما أن في تفجير الاسكندرية من تلقى الإنفجار هو ضابط شرطة، ويرى أن إستبدال مدير الأمن في منطقة الغربية بعد تفجير طنطا جاء لإمتصاص غضب المواطنين.
بدورها، تشير النائبة في البرلمان المصري وعضو لجنة حقوق الإنسان مارغريت عازر، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه الجرائم تستهدف كل المصريين لأن البلاد تتصف بوحدتها، وترى أن الإرهاب، الذي لا يفرق بين المسلمين والمسيحيين، حدد الكنائس كهدف لتفتيت وحدة مصر.
الإرهاب الفكري أخطر
على صعيد متصل، يرى النجار أن موقف الدولة المصرية إيجابي لأنها لا تملك أكثر من ذلك نظراً إلى أن قاع المجتمع متشدد، لكنه يشير إلى أن هناك مسؤولية على الأزهر للعمل على تنقية المواد التعليمية التي تحشو عقول الشباب بالأفكار المتطرّفة، ويشدّد على أن الأزهر يجب أن يكون وسطياً لا توجد مواد تكفيرية في مناهجه، ويضيف: "جميع المتشددين الذين يدسّون هذه الأفكار هم من خريجي الأزهر، وعلى الدولة أن تحارب المنابر قبل المواقع".
وفي حين لا تتردد عازر في الحديث عن قصور في كافة أجهزة الدولة، تؤكد أن الإرهاب الأخطر هو الفكري، خصوصاً أن المسلح يستطيع أن يقتل العشرات أو المئات بينما الأفكار قادرة على تجنيد الملايين، وتطالب الجميع بالادراك أن التعليم بات مسألة مهمة إلى جانب إصلاح الخطاب الديني، وتتابع: "هناك دور للبرلمان ولوسائل الإعلام أيضاً وليس فقط للجيش والشرطة".
وتشدد عازر على أن الدولة المصرية ليست هي من يستهدف الأقباط بل الإرهاب الذي يهدد كل دول العالم، وتحمّل المسؤولية للأزهر الشريف ووزارة التضامن لجهة مراقبة بعض الجمعيات التي تدخل لها أموال قد تستخدم في مثل هذه الجرائم.
بالنسبة إلى اللواء مظلوم، هناك من يريد أن يقول أن الدولة لا تؤمن الحماية اللازمة للأقباط، ويلفت إلى أنه أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة إلى الولايات المتحدة كان هناك مخاوف من تنظيم جماعة "الإخوان المسلمين" لتظاهرات بهدف إفشالها، لكن في المقابل كان هناك تحرك من قبل الأقباط للوقوف إلى جانب الرئيس المصري، وبالتالي القول أنهم يدفعون ثمن مثل هذه المواقف.
على هذا الصعيد، يرى اللواء مظلوم وجود أعباء كبيرة ملقاة على الأجهزة الأمنية، ويشير إلى أن قرار رئيس الجمهورية الإستعانة بالقوات المسلحة هو لمساعدتها لا الإنتقاص منها، لكنه يرى أن مكافحة الإرهاب تتطلب عدم إنتظاره بل الذهاب إلى الحرب الإستباقية، ويضيف: "هنا تقع المسؤولية على عاتق المنزل والمدرسة والجامعة والنادي والجامع، كما على المواطن الذي عليه التبليغ عن أي أمر غير طبيعي".
في المحصّلة، لا يمكن فصل تفجيري طنطا والإسكندرية عما يجري على مستوى المنطقة والعالم، كما أنه لا يمكن فصلهما عن الواقع الداخلي في مصر، إلا أن الأكيد تبقى المواجهة الأكبر في الميدان الفكري، لا سيما أن دار الإفتاء المصرية نفسها كانت قد أعلنت قبل أيام قليلة عن إكتشاف 3 آلاف فتوى تحرّض على هدم كنائس "أرض الكنانة" وعدم التعامل مع المسيحيين.