ليس سرًّا أنّ الوضع في مخيّم "عين الحلوة" لم يعد مَقبولاً بأيّ شكل من الأشكال، حيث صار يُهدّد أمن لبنان وإستقراره وحياة اللبنانيّين جميعهم، وكذلك أمن وحياة واستقرار اللاجئين الفلسطينيّين المَدنيّين، وذلك بفعل تنامي عدد الجماعات والخلايا الإرهابية والمُسلّحة التي تنشط فيه. فلماذا لم يتمّ إستغلال الفرصة التي أتيحت أخيرًا لمُعالجة هذا الوضع الأمني الشاذ، ولماذا فشلت حركة "فتح" في مُحاولة القضاء على مجموعة "بلال بدر" الإرهابيّة؟
الأسباب مُتعدّدة، وهي تبدأ بضعف إستراتيجيّة الهُجوم الذي قامت به حركة "فتح"، وتمرّ بحسن قيادة مجموعة الإرهابي بدر للمعركة، وتصل إلى الدعم والمُؤازرة التي حصل عليها من جماعات مُختلفة لا تريد السماح للسلطة الفلسطينيّة ببسط سيطرتها على المخيّم، ولا تسليم أيّ مطلوب إلى السُلطة اللبنانيّة. ويمكن إختصار أبرز أسباب الفشل على الشكل التالي:
أوّلاً: إنّ إنتشار "القُوّة المُشتركة" الفلسطينيّة لضبط الأمن المُتفلّت داخل "عين الحلوة" كان ضعيفا ومُتردّدًا، بحيث لم تكن تُشارك فيه مجموعات كبيرة من المُقاتلين كافية لإثارة الخوف في النفوس، ولمنع الجماعات المُسلّحة المُتفلّتة من التجرّؤ على رفع السلاح والقتال دفاعًا عن مواقعها، وهنا كان الخطأ الأوّل.
ثانيًا: إنّ مُؤازرة حركة "فتح" للقوة المُشتركة في المعارك بعد إندلاعها، وإستقدام تعزيزات بالعديد والعتاد من مخيّمات فلسطينيّة أخرى، رفع من القُدرة القتاليّة للمُهاجمين، لكنّه تمّ بوتيرة بطيئة ومُتدرّجة، الأمر الذي أفقد القُوّة المُهاجمة عنصر المفاجأة الحاسم في أيّ معركة وفق أبسط القواعد العسكريّة. وسمح هذا الخطأ الثاني لمجموعة "بلال بدر" الإرهابيّة بالتحضّر والإستعداد للقتال، علمًا أنّ الهجمات كانت عشوائية ولا تسير وفق خطّة قتالية مدروسة مُسبقًا أو مُحضّرة بالشكل اللازم، بحيث ذهب القصف المدفعي الذي تمّ من تلّة "جبل الحليب" المُطلّة على مخيّم "عين الحلوة"، وإطلاق النار الكثيف من جانب القوّة المُهاجمة، هدرًا، مع تسجيل نتائج ميدانيّة محدودة في حيّ الطيرة.
ثالثًا: بعد أنّ فشلت مجموعة بدر في فكّ الطوّق الأمني حولها عبر قيامها بهجمات توسّعيّة، إعتمدت أسلوب القتال التراجعي، لتخفيف خسائرها، ولامتصاص زخم الهجوم عليها. والخطة الأكثر ذكاء التي إعتمدتها هذه المجموعة الإرهابيّة تمثّلت بالإنكفاء إلى مناطق قريبة من مواقع ونقاط سيطرة جماعات إسلاميّة متطرّفة مُختلفة، الأمر الذي جعل هذه الأخيرة متورّطة تلقائيًا بالمعركة. وصار أيّ تقدّم لمُقاتلي "فتح" في إتجاه مُقاتلي بدر يعني عمليًا تهديد مناطق نفوذ العديد من الجماعات المُسلّحة المناهضة للسلطة الفلسطينيّة، والتي ترفض هذا الأمر كليًا.
رابعًا: لم يقتصر عدد الإرهابيّين الذين قاتلوا القوّة المُهاجمة من "فتح" ومن معها، على مجموعة بدر فحسب، حيث وقف إلى جانبها عشرات المُقاتلين المحسوبين على جماعات إسلاميّة مُتطرّفة وعلى خلايا إرهابيّة مختلفة، بحيث تأمّن لبدر ولجماعته المُسلّحة إمتداد جغرافي تجاوز "مربّعه الأمني" في حيّ الطيرة، إلى حيّ الصفصاف والشارع الفوقاني وحيّ حطين ومنطقة المنشيّة وبستان الطيار وبستان اليهودي، وغيرها من الأزقّة والأماكن الخاضعة لسيطرة جماعات إرهابيّة منوّعة.
خامسًا: على الرغم من الإجراءات الأمنيّة المُشدّدة التي تتخذها وحدات الجيش اللبناني حول مخيّم "عين الحلوة"، تردّدت معلومات عن وُصول دعم مُسلّح للإرهابيّين، عن طريق بعض الأنفاق السرّية والممرّات غير الشرعيّة السرّية!
سادسًا: إنّ أكثر من جماعة مُسلّحة داخل "عين الحلوة" لا تتمتّع بعلاقة طيّبة مع مجموعة "بدر"، لكنّها رفضت إستفراده، خشية أن تكون هي التالية، الأمر الذي جعل من مُواصلة حركة "فتح" لمعركتها غير الناجحة ولا السريعة، مسألة في غاية الخطورة، لجهة إحتمال تحوّل المعركة من مُواجهة مع مجموعات محدودة، إلى معارك شاملة بين مُختلف قوى الأمر الواقع داخل المخيّم.
في الخلاصة، وعلى الرغم من تساهل السُلطات اللبنانيّة على حساب كل من هيبتها ونُفوذها ومنطق الدَولة ككل، لجهة السماح بانتقال عشرات السيارات المليئة بالمُقاتلين التابعين لحركة "فتح" من عدد من المخيّمات الفلسطينيّة إلى داخل "عين الحلوة"، فشلت الحركة المذكورة في إنهاء ظاهرة مجموعة "بلال بدر"، وطبعًا في إنهاء ظاهرة العديد من الجماعات والتنظيمات الإرهابيّة الأخرى، حيث جاءت الحلول جزئيّة ومحدودة في المكان والزمان، ما يعني بقاء حال التلفّت الأمني داخل "عين الحلوة"، ولوّ في حيّ جديد أو تحت إسم آخر. والمطلوب من السُلطة السياسيّة التوقّف عن لعب دور المُتفرّج على معارك ومُواجهات تدور على أرضها، وأمام أعينها، وأن تُبادر–بالتنسيق مع القوى والجهات المحليّة والإقليميّة المعنيّة، إلى وضع "خريطة طريق" جِدّية ولوّ على مراحل زمنيّة مُتباعدة، للإنتهاء من مسألة السلاح الفلسطيني ككل على الأراضي اللبنانيّة، بدءًا بسلاح الجماعات الإرهابيّة التي تُهدّد حياة اللبنانيّين والفلسطينيّين على حدّ سواء.