لا يمكن للشعب اللبناني نسيان "كابوس" سعر صرف الليرة، فمن لم يعش تلك المرحلة بتفاصيلها، عاش اخبارها وتداعياتها التي وصلت الى حد التسبب بجلطات قلبية ودماغية لعدد من أصحاب الاموال. في ثمانينيات القرن الماضي، ارتفع سعر الدولار من 3.43 ليرة لبنانية لكل دولار عام 1980 إلى 16.41 عام 1985، ولكنه عام 1992 وصل سعر الدولار الواحد الى 2825 ليرة لبنانية.
لن نعود في هذا التقرير الى الأسباب التي رافقت تلك الكارثة الاقتصادية، وسيكون التركيز منصبّا على امكانية "تكرارها" في يومنا هذا، ففي الساعات الماضية سرت "أحاديث" مرعبة مفادها أن سعر صرف الدولار الاميركي سيرتفع مقابل الليرة اللبنانية، الأمر الذي يرى فيه الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي "ممكنا" بظل الوضع المالي والاقتصادي والسياسي المتدهور. ويضيف يشوعي في حديث لـ"النشرة": "لا يمكننا ضبط الاشاعات ولكن يجب التفريق بين نوعين، الاول وهو الاشاعة المبنية على وهم، والثاني هو الاشاعة المبنية على حقائق ووقائع كما هي حال الاشاعة المطروحة امامنا، اذ لا يوجد دخان من دون نار".
بالمقابل لا يرى الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان أن "خطرا" وشيكا يتهدد الليرة اللبنانية رغم الاشاعات، مشيرا الى أن لبنان شهد ضغوطا سياسية وأمنية اكبر بكثير من الاحداث التي يشهدها اليوم دون أن تتأثر الليرة فيه، متوقعا ألاّ تؤثر الاشاعات على وضع الليرة سوى بنسبة قليلة جدا.
ويضيف بو سليمان في حديث لـ"النشرة": "نعرف ان الهندسة المالية التي حصلت مؤخرا كان غرضها زيادة احتياط مصرف لبنان بالعملات الاجنبية للتدخل بحال ضعفت الليرة". من جهته يكشف الخبير الاقتصادي حسن مقلد أن انهيار العملة الوطنية ليس مزحة أو وسيلة ضغط يمارسها احدهم لأهداف خاصة، اذ أن لملمة الانهيار إن حصل يحتاج الى 20 سنة. ويضيف مقلد في حديث لـ"النشرة": "لن تنهار الليرة لان حجم الاحتياطات النقدية كبير جدا ويسمح بالتعامل مع أيّ مخاطر على المدى الطويل"، مذكرا بأن الاحتياطي الحالي يبلغ 40 مليار دولار أميركي بدون "الذهب"، بينما كان إبّان حرب تموز واغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري 2 مليار دولار فقط.
وفي سياق متصل، يشير يشوعي الى أن السياسة النقدية في لبنان غير قادرة على مواجهة إشاعات من هذا النوع لانها ضعيفة. ويقول: "يسير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بسياسة "العمل بالنقد" فقط، ولا يعطي أي أهمية للوضع الاقتصادي، وهذا ما يعاكس طبيعة عمل المصارف المركزية في كل دول العالم، فالاولوية تكون للاقتصاد لا للنقد".
واذ يطالب يشوعي حاكم مصرف لبنان بإصدار بيانات الارباح والخسائر للمصرف المركزي بعد توقف دام 17 عاما، يكشف أن مصرف لبنان يضم 50 بالمئة من ودائع البنوك ما يعني أن لديه 80 مليار دولار مجمدة (نقدا وذهبا) لأجل إبقاء الليرة ثابتة، مشيرا الى أن هذا الامر يعني "تجفيف" السوق من السيولة وضرب الاقتصاد. ويضيف: "اذا أراد المواطنون تحويل جميع الليرات بحوزتهم الى دولار، يمكن لسلامة أن يقوم بهذا الامر لأن 65 بالمئة من إجمالي الودائع في لبنان هي بالدولار، ما يعني "دولرة" لبنان وفقدانه لهويته المالية، وزيادة الديون العامة بنفس قيمة الأموال المحوّلة أي ما يقارب الـ55 مليار دولار أميركي".
من جهته يلفت مقلّد النظر الى أن "وضع لبنان الحالي بظل الحرائق المشتعلة حوله وسوقه المقفل "رفع" الطلب على الدولار، ولكن اذا تعرضنا الى الضغوطات فهذا لا يعني ان عملتنا ستنهار".
لا شك أن رمي الإشاعات في هذا التوقيت بالذات يهدف الى "ترهيب" اللبنانيين، ففي ظل اقتصاد متهاوٍ وهزيلٍ ومديون، لا يثق اللبناني بليرته ودولته، فهل تتحول الليرات الى دولارات قريبا؟.