وأخيرا.. وبعد جهد "جهيد"، انتشرت "القوة المشتركة" في مخيم عين الحلوة، وعلى "قاعدة لا غالب ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم"، دخلت "حي الطيرة" المربع الامني للارهابي بلال بدر الذي توارى عن الانظار بعدما خاض معركة شرسة على مدى ستة ايام انتهت بسبعة قتلى واكثر من 45 جريحا.
دخول "القوة المشتركة" الى "حي الطيرة" والتموضع فيه مهما كانت "شكليته" هو سبر اغوار منطقة كانت حتى الامس عصية على الكثيرين، وقد جاءت الخطوة ترجمة للاتفاق الذي توصلت اليه القيادة السياسية للفصائل والقوى الوطنية والاسلامية في لبنان، في الاجتماع الذي عقد في صيدا وأعلنت فيه تفكيك حالة بدر وإنهائها ودخول "القوة المشتركة" إلى حي الطيرة والإنتشار والتموضع فيه وفق مقتضيات الحاجة لحماية سكان الحي وممتلكاتهم، واعتباره عنصرا مطاردا ومطلوبا للقوة المشتركة وإعتقاله حيثما تجده، وعلى معالجة آثار وتداعيات الأحداث الأخيرة.
بنود الاتفاق أنصاف حلول
وعلى شاكلة الدخول والتموضع، فان الاتفاق نفسه كان "افضل الممكن"، رغم كل الضغوط السياسية" التي مارسته القوى الاسلامية من جهة" و"القوة النارية الفتحاوية" من جهة اخرى، وقد حوله على الاقل الى مطلوب ومطارد، دون انهاء ظاهرته بالمطلق سواء باعتقاله وتقديمه للعدالة او القضاء عليها حتى لا يعود مجددا، لكن التساؤلات المطروحة اليوم، من يضمن الاتفاق، وأين توارى بدر؟.
وفي العرف الفلسطيني، "افضل الممكن" يعني لتمرير قطوع امني خطير، بعد مخاوف حقيقية من عدم حصر الاشتباكات بين الطيرة ومنطقة جبل الحليب وسوق الخضار وانما امتدادها الى محاور اخرى، بدت مؤشرات واحدة منها في عمليات القنص بين حي حطين حيث الثقل الاسلامي وبين جبل الحليب حيث الثقل الفتحاوي، وقد نجحت الاتصالات في لجمها، مع الشعور المتزايد بصعوبة حسم المعركة عسكريا نظرا لتداخل الاحياء وصعوبة السيطرة عليها رغم كل استخدام القوة النارية والصاروخية والحشود العكسرية باستقدام مقاتلين مدربين من خارج المخيم، ووجود غطاء فلسطيني جامع وحتى تسهيل السلطات اللبنانية لكل ما تريد طبيعة المعركة.
اجتماعان وتسويق
وعلمت "النشرة"، ان هذا الاتفاق جاء ثمرة اجتماعين عقدا في صيدا، الاول في منزل رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود والثاني في مكتب حركة الجهاد الاسلامي، وشارك فيه ممثل الحركة في لبنان ابوعماد الرفاعي، ممثل حركة "حماس" في لبنان علي بركة وأمير الحركة الاسلامية المجاهدة الشيخ جمال خطاب والناطق الرسمي باسم "عصبة الانصار الاسلامية" الشيخ ابو شريف عقل ثم انضم اليهم امين سر حركة "فتح" في لبنان فتحي ابو العردات، الذي تواصل مع قيادة الحركة المركزية في رام الله ومع المشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان عزام الاحمد الذي وافق على المبادرة، فيما واكب الشيخ حمود الاجتماع باتصالات مع كافة المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لتأمين مظلة نجاح له.
بالمقابل، اعترفت المصادر، ان لا "ضمانات حقيقية" لتطبيق الاتفاق بحذافيره، ولكن الاجماع الفلسطيني وحرص القوى الاسلامية يشكل مظلة حماية له، اضافة الى التنسيق الرسمي والسياسي والأمني مع السلطات اللبنانية لمواجهة اي حالة تطرف تريد ان تأخذ المخيم الى أجندة غير فلسطينية، علما ان بنود الاتفاق لم يتضمن اعلانا رسميا لوقف اطلاق النار كما يجري عادة، لان القيادة السياسية اعتبرت انه ليس هناك طرف ثاني للتفاوض معه، ووصفت بدر ومجموعته بـانه "عصابة مأجورة التي تعمل لجهات مشبوهة" والتي تقتل وتعتدي على الناس وفق ما قال امين سر حركة "فتح" في لبنان فتحي ابو العردات، الذي اكد انه هذه المرة لن ينجو بفعلته خلافا للمرات السابقة، حيث لم يكن يحاسب، اليوم هناك اصرار فلسطيني على محاسبته واعتقاله اينما وجد وتقديمه للعدالة.
تطبيق الاتفاق: تململ وشروط
في تطبيق الاتفاق، اكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان الاوضاع الامنية في المخيم مرجّحة ان تبقى في اطار "الامن الهش" دون التفجير الكبير، بعدما كشف تطبيق الاتفاق وجود فرق شاسع بين التوافق السياسي والتنفيذ الميداني، وسط حالة من التململ في صفوف ضباط وعناصر حركة "فتح" رفضا للاتفاق لجهة بنوده اولا وتطبيقه على الارض ثانيا، وبينهما لجهة اعتبار بدر مطلوبا ومتوار عن الانظار، اذ كان الاجدى وضعه في عهدة "القوى الاسلامية" كي تضمن الالتزام به.
واوضحت مصادر فلسطينية ان ثلاثة اسباب حالت دون انتشار "القوة المتشركة" سريعا، اولها ان مجموعة تابعة لـ"بدر" تتحصن في الحي، ورفضت الانسحاب منه، قبل ان تقوم حركة "فتح" بسحب عناصرها من "حي الصحون" المحاذي، ثانيها عدم جهوزيتها لجهة العدد والعديد، وثالثها تأمين ضمانات بعدم تعرضها لاطلاق نار، كما جرى لحظة انتشارها والتي على اثرها اندلعت الاشتباكات وحصدت 7 قتلى واكثر من 40 جريحا، لان من شأن ذلك ان يعيد الامور الى المربع الاول والتصعيد، وأقلها بقاء الاشتباك المحدود، بما يشبه "الاستنزاف" بين عدم الاستقرار التام والتفجير الكبير.
واشارت المصادر انه على الرغم من هذه الاسباب فان اصرار القوى الفلسطينية وتذليل العقبات ادى الى انتشار القوة المشتركة في حي الطيرة حيث تموضعت في احد المنازل وقد تبين ان منزل بدر قد اصيب باضرار جسيمة وهو مقفل.
جولتا طمأنة ورسالة ضغط
تركت جولة وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف الى مدينة صيدا ارتياحا، حيث التقى كلا من النائب بهية الحريري، الامين العام للتنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد، الدكتور عبد الرحمن البزري وتشاور معهم في اوضاع المدينة على خلفية اشتباكات عين الحلوة، مهنئا قيادة مخابرات الجيش في الجنوب على الجهود الجبارة التي تقوم بها لحماية أمن اللبنانيين والفلسطينيين، وخصوصا في صيدا المتاخمه جغرافيا لمخيم عين الحلوة الذي شهد تدهورا امنيا كاد ان يجر المنطقة الى موقع خطر، مشيرا الى "ان الدولة اللبنانية والجيش لا يخافان من احد، لا من العدو ولا من الارهاب، والجيش اللبناني يقف في وجه هذه المخاطر ونحن كلنا خلفه".
وكان قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون تفقّد الوحدات العسكرية المنتشرة في محيط المخيم واطلع من الضباط على الاوضاع الميدانية قبل ان يعقد اجتماعا عسكريا في ثكنة محمد زغيب العسكرية في صيدا، وفهم ان جولته عبارة عن "رسالة ضغط" على القوى الفلسطينية لوضع حد للاشتباكات سريعا، والا فان الجيش لن يصمت كثيرا عمّا يجري.