دخلَ يسوع إلى أورشليم يومَ الشعانين مَلِكاً ظافراً، وعُلَّقُ يوم الجمعة على الخشبة مُجرماً مصلوباً بينَ لصّين: "واحِدٌ عن يمينه وواحدٌ عن شمالِه" (متى2738).
يسوع ملِكٌ لا يُشبِه الملوك بشيء. ليسَ مَلِكاً مُستبِدّاً مُستَعبِداً شعبَه، بل ملِكاً متواضعاً مُحِبّاً، يُقدّمُ ذاته من أجل شعبِه "حتّى الغاية"(يو131).
هذا الملِكُ لا يسمَحُ بهُتافاتٍ كهُتافاتِ الناسِ لملوكهم وحُكّامهم ورؤساء أحزابِهم وأصنامهم: "بالروح بالدّم نفديكَ يا فُلان"، بل يصرُخُ هو بصوتٍ عالٍ مرّةً ومرّتين وإلى ما لا نهاية قائلاً: "بروحي" وصرَخَ يَسوعُ مرّةً ثانيةً صَرْخَةً قَوِيَّةً وأسلَمَ الرّوحَ"(متى2750)، "بدمي"،" ولكِنَّ أحدَ الجُنودِ طَعَنَهُ بِحَربَةٍ في جَنبِهِ، فخَرَجَ مِنهُ دَمٌ وماءٌ"(يو1934)، نعم "بروحي ودمي" أفديك يا شعبي.
هذا المَلِك هو ملِكُنا، يموتُ هو لكي لا نموتَ نحنُ. يقبَلُ الذُلَّ والمهانَةلكيلا نُذَلَّ ونُهان:"وأمسكوا القصَبَةَ وأخَذوا يَضرِبونَهُ بِها على رأسِهِ وهُم يَبصُقونَ علَيهِ. وبَعدَما استَهزَأوا بِه نَــزَعوا عَنهُ الثَّوبَ القِرمِزيَّ، وألبَسوهُ ثيابَهُ وساقوهُ ليُصلَبَ"(متى2730). يتضامن مع الموجوعين بأجسادهم ونفوسِهم في هذا العالَم، ومع الذين يُعانون من شتّى أنواع العنف والإحتقار والقمع والتهديد والجوع والعطش والفقر، ومع الذين يؤمنون به والذين لا يؤمنون، لكي يقول لهم أنّهم ليسوا وحدهم بل هو مَعَهم، وأنَّ نور القيامة لا بُدَّ آتٍ؛ فبعد الألم المجد، وبعد الموت القيامة. يسجُنُ نفسَهفي حضن القبر لكي نخرُجَ من حضن الخطيئة والشّر.
هذا الملِك يقول لنا اليوم "لا تخافوا أنا غلبتُ العالَم"(يو1633). لا تخافوا من الإيمان بحضارة الصليب التي تبدو ضعيفةً وعاجِزةً في أعيُنِ "أقوياء هذا الدَهر"، ولكنّها "حكمة الله وقوّته" في أعيُنِ المؤمنين. فالله لا يُظهِرُ قوّته بطريقة الأقوياء، بل في الضّعف، مُتحدّياً المنطق البشري القائم على القوّة والقهر، داعياً إيّاهُ إلى التوبة والإرتداد.
حضارة الصليب هي حضارة المحبّةُ القادرة وحدها على الإنتصار على الموت، وعلى دكِّ الحصون المنيعة التي تقف حاجزاً في وجه خلاص الإنسان.
بهذا الملِكُ المُعلَّقِ على الصليب، المُنتَصِر في الضّعف والذّل والهوان، نُعلِّقُ اليوم وكُلَّ يومٍ رجاءنا وحياتنا، منتظرين من الميت القائم من الموت، قيامتنا الدائمة.
فيا أيّها المعلّق على الصليب حُبّاً بِنا. إرحمنا