ترأس رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي نعمة الله هاشم رتبة سجدة الصليب في جامعة الروس القدس في الكسليك بحصور رئيس الجمهورية ميشال عون وعقيلته.
وخلال العظة، توجه الأباتي هاشم للرئيس العون بالقول "يغمرنا فرح الإيمان بغد أفضل إثر إنتخابكم بعد مسيرة طويلة وأليمة، خبرتم خلالها، كما المعلم، مراحل التخلي والفشل الظاهري، لكنكم مثله صمدتم وحافظتم على المبادئ والقيم الإنسانية، ومنه تعلمتم أن تغفروا وتضحوا في سبيل خير الجميع". معرباً عن أمله بـ"أن يعود لبنان، بواسطة رئيس الجمهورية، وطن الرسالة، وكرامة الإنسان وحريته والمساواة في الحقوق والواجبات".
ولفت إلى "أننا نلتقي اليوم، صاحب الفخامة، حول الصليب، نجتمع بصفتنا الإنسانية أولا، قرب المصلوب، لنحيي الحدث التأسيسي لمسيحيتنا ولإنسانيتنا المخلصة، الحدث الذي يعطي المعنى لوجودنا. ننظر إلى الصليب ونسمع الصرخة التي اطلقها المصلوب، منذ ما يقارب الألفي سنة :"إلهي، إلهي، لماذا تركتني"، يستحوذ علينا حزن أليم ناتج عن الشعور بالتخلي والفشل، فالمعلق على الصليب، هو إبن الله المولود قبل كل الدهور، كلمة الله الذي صار جسدا، منتظر الشعوب، موعود كتب العهد القديم ونبوءاته، إنه بشرى ملاك الله جبرائيل للعذراء مريم، هو طفل مغارة بيت لحم، إنه يسوع الناصري، الذي علم المحبة والرحمة والحقيقة والعدل والسلام، بالأقوال والأمثال والأفعال، وأيده الله بالآيات والمعجزات، شفى المرضى وأقام الموتى وداوى جراح البشرية المتألمة. إنه المعلم الذي أحب الخطأة وخالط المنبوذين، ناصر الفقراء والضعفاء والمظلومين، قاوم الظالمين والخبثاء المخادعين، المستكبرين بالسلطة والدين. إبن العذراء، محب السلام، نابذ العنف، معلم الخير، الإنسان الكامل، معلق على الخشبة. نبي الله، كلمة الله، إبن الله، ميتا على الصليب. وحيدا على الصليب، الجميع تخلى عنه، الأقارب والأصدقاء بعيدون، المناصرون غائبون، المرضى الذين شفاهم والجياع الذين أشبعهم لامبالون، الشعب الذي لاقاه البارحة بهوشعنا للملك ابن داود، هازئ اليوم، التلاميذ مشتتون، الرسل مختبئون خائفون، يهوذا خائن، بطرس ناكر. السماء أيضا تخلت عنه، وكأن الله لم يكتف بعدم إرسال جنده لحماية ابنه، بل منع الملائكة الذين رتلوا المجد يوم الميلاد من الحضور للتعزية".
وأشار إلى أن "المعلق على الصليب علمنا أن ننزح إلى العمق، إذا نظرنا جيدا واستمعنا جيدا، نعلم أن مظهر الفشل بالرغم من واقعيته يخفي النجاح، والحزن الأليم يترك المجال واسعا للفرح الغامر، وما لم يكمله متى ومرقس ولوقا من مزمور إلهي إلهي لماذا تركتني، التقطته أذن يوحنا التلميذ المحبوب من فم المصلوب عندما قال: لقد تم. على الصليب أتم يسوع مهمته وحقق ذروة اللقاء بين الله والإنسان، على الصليب، وبشخص المصلوب، قدم أبن الله الوحيد ذاته ذبيحة عن الإنسان، عن كل إنسان، معبرا عن محبة الله اللامتناهية للبشر، بتسليم مطلق لمشيئة الآب السماوي. على الصليب، وبشخص المصلوب، عبر يسوع الإنسان عن تجاوب الإنسان مع محبة الله، حاملا ضعفنا وخطايانا، جهلنا وحقدنا وخيانتنا ويأسنا، مفتديا إخوته البشر جميعا، القريبين والبعيدين، المؤمنين وغير المؤمنين، المخلصين والخائنين، حتى الصالبين والمتآمرين. على الصليب تم الفداء والخلاص المنتظر، المسيح المصلوب هو منذ الآن المسيح القائم من الموت. حدث اللقاء بين الله والإنسان في شخص المصلوب على الصليب، والذي وقع ضمن الزمان والمكان، ارتقى فوق الزمان والمكان، ليشمل الخلاص كل الخليقة منذ التكوين وحتى نهاية الأزمنة، إرتقى ليصبح بالنسبة لغيره من الأحداث الفردية والجماعية كالشمس بالنسبة للكواكب التي تدور في فلكها".
ثم توجه الى رئيس الجمهورية قائلا: "نحن اليوم، في لبنان والمشرق، إذا نظرنا إلى حالنا وحولنا وسمعنا، يتملكنا الحزن ونصرخ: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ يعتدى على حاضرنا وتاريخنا ومستقبلنا، تسرق أملاكنا وأراضينا، تسلب حقوقنا الإنسانية وطموحات أبنائنا وبناتنا، تهدم بيوتنا وتفجر كنائسنا، نهجر ونقتل ونذبح في العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها، والعالم صامت ساكت. مثل يسوع، نجد أنفسنا فريسة تآمر المصالح السياسية والاقتصادية مع التعصب الديني الأعمى وضحية تخاذل انظمة العدل والأمن الدولية وتقاعس الرأي العام العالمي. اخوتنا في الدين لاهون غافلون، جيراننا بعضهم حاقد متآمر هازئ وبعض آخر محرض، صالب، قاتل، مهجر، والبعض الباقي لا مبال، بانتظار توزيع المغانم والتركة وأكثر أخوتنا في المواطنة "لا يدرون ماذا يفعلون". حتى نحن تخلينا عن دورنا وشارك بعضنا في إهلاك ذواتنا، خوفا وخيانة أو طمعا بمركز أو بثلاثين من الفضة وكأن الله في كل هذا غائب لم يدافع عنا أو يكف يد المعتدين".
وأضاف الأباتي هاشم أنه "إذا نزحنا إلى العمق ونظرنا إلى واقعنا جيدا على ضوء نور حدث الصلب الذي يطالنا، هنا والآن، يغمرنا فرح عميق، فرح اختيار الله لنا لنشارك ابنه، عمل الفداء، في هذا الشرق المعذب، ونكمل في جسدنا، ما نقص من آلام المسيح، حسب قول القديس بولس، فرح الإتحاد بآلام المصلوب وإشراكه بحمل ضعفنا ونقائصنا وخطايانا تجاه الله والإنسانية، وكذلك إشراكه بما حققنا، افرادا وجماعة، من نمو للمحبة في العالم وترق للإنسانية وتقرب لها من الله بفضل اتحادنا بالمسيح والتزامنا بتعاليمه، فرح الثبات على الشهادة بالإستشهاد منذ المصلوب وعلى طريقته على مدى ألفي سنة بلا انقطاع والمضطهدون يتغيرون ويتبدلون دون أن يدركوا أن دماء الشهداء بذار القديسين، وأنها تمتزج بدماء المصلوب وتقدم محبة لله وللإنسان، كل إنسان، لا سيما منفذ الإضطهاد، وأن هذه الدماء هي التي حولت روما، مضطهدة المسيحيين الاولى إلى عاصمتهم الروحية ويغمرنا فرح مشاركة أخوة لنا في المواطنة الإيمان برسالة لبنان الانسانية والدفاع عن هذه الرسالة بالدم أحيانا، خاصة في الجيش والقوى الأمنية، هذه الدماء أيضا نرفعها على الصليب فداء للبنان وللمشرق وللإنسان. يغمرنا فرح المعرفة أن خليفة بطرس في روما، قداسة البابا فرنسيس، يثبت أخوته على الإيمان ويحملنا في قلبه وصلاته، وهو ممثل بيننا بشخص سعادة السفير البابوي المونسنيور غابرياله كاتشيا. وأن كنيستنا في لبنان ما زالت شاهدة حية للأمانة الرسولية رغم كل المخاطر والصعوبات، برعاية صاحب الغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى. ويغمرنا، بشكل خاص، فرح الإيمان بغد أفضل، إثر إنتخابكم رئيسا للجمهورية، بعد مسيرة طويلة وأليمة، خبرتم خلالها، كما المعلم، مراحل التخلي والفشل الظاهري، لكنكم مثله صمدتم وحافظتم على المبادئ والقيم الإنسانية، ومنه تعلمتم أن تغفروا وتضحوا في سبيل خير الجميع، الاصدقاء والخصوم، متعالين عن الظلم الذي لحق بكم ومتخطين المصالح الخاصة والفئوية، لتشمل محبتكم وعنايتكم جميع اللبنانيين. لأن قضيتكم، هي أن يتمكن كل انسان من عيش إنسانيته بكرامة وحرية ومحبة وخير، كما يريدها الرب".