على عتبة جهود حثيثة، لإنتاج قانون انتخابات يحضّر البلاد والعباد لحرب أهلية جديدة، ويودي بهم في أتون حريق المنطقة المستعر، وجب مرة جديدة، وفي كل مرة يتاح لنا ذلك، رفع الصوت في وجه من بيده الأمر فعلياً، ورمي الحجة على من يقدر على منع انهيار الجدار الأخير!
إلى الجنرال،
لتكن هذه رسالتي الأخيرة لك، لو أردتها أنت كذلك. ولكن، ليكن صوتي خارجاً من قلب معصور بالقهر والخوف والغبن.
لتكن الأخيرة، ولو أردتها أنت ورقة مهملة، ترمى مع وعود وآمال.
لتكن الأخيرة، ولو أراد بعضهم أن تكون كذلك، علهم يرتاحون في أمكنتهم الضيقة، كعقولهم، وليذهبوا إلى الجحيم، مع أفكارهم القريبة من نسب الشيطان.
لتكن الأخيرة، ولو تمنى بعضهم أن تكون صرخة ما قبل الموت، علّ الصمت يسود بعدها، فلا أنين، ولا صراخ، ولا حتى مناجاة للإله...
لتكن الأخيرة، ولو حجبوها عنك، أو أرفقوها بتفسيرات الخبثاء الذين ما تركوا يوماً القصور، ولا غادروا البلاط،
لتكن الأخيرة، ولو جاء المبشّرون الجدد، يحملون أطماعهم، ويسمونها صليب المضحي من أجل الآخرين.
لتكن الأخيرة، ولو أحرقها قسيس يسرق طعام الفقراء، ثم يسبقهم إلى كرسي الاعتراف، ولا يكف عن الخطيئة.
لتكن الأخيرة، وافعل بعدها ما شئت، اقرأ الحروف، حتى ولو كان هناك من يبذل كل حقارته لمحوها، وانظر إلى العبارات، حتى ولو جاءك من لم يقرأ تاريخ أهله، ولا تاريخ شعبه، ولا تاريخ بلده، ولا يرى إلا بعيون الماضي التعيس، حيث الانطواء، حيلة الجبناء والمستسلمين.
لتكن الأخيرة، حتى ولو عمد من يسكن حديقتك الخلفية، يحمل سيفك، ليضرب به رعاياك، ويصرخ بهم: أنا ربكم الأعلى، هاتوا رجالكم كي يشكروني، وهاتوا نساءكم كي أسبيهن، ولا تنجبوا إلا من تضمنون أن يكون خادماً لي، ولذريتي من بعدي حتى نهاية الحياة!
بالقرب منك، ترتكب اليوم جريمة لا قيامة من بعدها، إلا بالحديد والنار. وباسم صليبك، يبتدع أهل الأقنعة إنجيلاً زائفاً لتمييز الناس كأننا في زمن الرق والعبيد. ويتكاثر بائعو الأوهام، والآخذين للناس إلى حفلة انتحار جماعية باسم الخوف!
إلى السيد حسن،
وهذا أيضاً، نداء أخير.
أيها الوارث لدماء الشهداء، والرافض أن يبيع نفسه لغير خالقه، والمنتصب أعلى من قامته، والباقي برغم أنوف الجميع، أفضل الناس عندنا، وأقربهم إلى فكرة الحق، ورفض الظلم، وكيد المعتدين،
ما الذي يجعلك راضياً بما لا يقبل به مولاك ولا رسله ولا الصالحون؟ وما الذي يمنعك من رفع صوتك، لا إصبعك، في وجه جيل جديد من الكذابين وسارقي الأحلام؟
ما الذي يجعلك تقبل بأن يقهر بعض الناس بعضهم الآخر؟ وما الذي يجعله عندك أمراً محمولاً، وكأنه ابتلاء، وهو ليس كذلك؟ فهل صنّف الله خلقه بين قاهر ومقهور إلى يوم الدين؟
كيف يمكن مَن واجه أعتى الظالمين، أن يخشى ظلم الأقربين، وأن يواصل الصمت عن فاسدين، إن تركناهم، سيظلون على ما ألفوا إلى يوم الدين؟
ليس الأمر بانفعال أو مشاعر غضب. وليس الأمر بابتزاز يقوم به من يظهر أنه عاش مع الحق حتى متى تمكن صار من خصومه. وليس في الأمر انسحاباً من معركة طويلة وكبيرة، لمصلحة إشكال صغير هنا أو هناك.
إن ما يشهده لبنان، اليوم، سيكون عنواناً لدمار ما بقي من هيكل أجبر الغزاة على تركه صاغرين. لكننا أودعناه بأيدي من ليسوا أهلاً لحكم دسكرة نائية، ولا هم بأهل لثقة استغلوها لقتل الكرامة في الإنسان، قبل الطموح والرغبة في الأفضل.
المظلومية ليست قدراً، والتضحية ليست مساراً لا نهاية له مع الظالمين، وليس صحيحاً أن الصمت لأجل خدمة بقية الله، يستوجب هذا القدر من المسامحة، وهذا التبسيط في قدر ما يخطط له مجانين العصر.
إن مشروع القانون الفتنة لا يصلح خراباً في نفوس مريضة، ولا يقفل باب الخوف، إلا على مزيد من الخوف، فيتحول صاحبه مجنوناً متطيراً، لا يفيده سوى الانتحار، وهو فعل الشيطان لا فعل المؤمنين.
إن الصمت عن تصرف صبية يعيشون عمر الطيش، وأحلام السراب، لا ينفع في حماية الشباب الذين لا ينامون من أجل هناء الآخرين، ولا في تكريم عائلات تبذل خيرها في سبيل كرامة الآخرين.
إن الموافقة على قانون الخراب الكبير ليس له ما يبرره أمام الخالق ولا أمام عباده، بل فيه انكسار ليس من شيمك، وفيه تنازل لمن يمنّن الآخرين ويقايض كرامتهم ودماءهم بسلطة آيلة إلى الزوال، اليوم، أو بعد حين،
وهي موافقة، إن حصلت، ستكون ظلماً، معروفاً ولو لم يكن مقصوداً، لآخرين لهم الحق في العيش الكريم من دون شروط.
كيف لنا أن نقبل، بعقل يقابل التكفير بتكفير، ويرى أنه لا يقدر على العيش مع الآخرين، فقط لأنهم ولدوا من أهل لهم ديانات أخرى؟ وكيف لنا أن نغطي المجانين الجدد الذين لم يفهموا بعد أنّ القهر لا يولّد سوى القهر، وأنّ الفوضى قبل الثورة هي الملاذ الأخير للمظلومين؟!
أما أولئك الذين يقبضون على شرايين البلاد والعباد، والذين لم يرتاحوا من قهرنا، ومن قتلنا، ولم يشبعوا من جلدنا، وجهلنا، وقهرنا…
ألا تتعبون من جمع المال؟ ألا تشعرون بالتخمة من تحيات وانحناءات زائفة؟ أليس لديكم غير قهر تورثونه؟ أم أنكم تتلذذون بسطوة تعطونها للأبناء والأحفاد لأجل قهر الآخرين؟
ماذا يبقى لكم بعد كل الذي حصل؟ وماذا تتركون لمن يحملون أسماءكم وبقيتكم في الأرض؟ ألا تسألون سلالات الأولين عمّا جمعه آباؤهم؟
هل لديكم اتصال بالعالم الآخر؟ هل قال لكم راحل من أترابكم إنه لا يزال الأول حتى بين الميتين؟
ألا تتذكرون أيام كنتم أحراراً، يوم ولدتم، ويوم عشتم شباباً ترفضون قيود الأهل والقبيلة؟
ألا تتفكرون كيف تعيشون الآن؟ حيث الخوف رفيقكم الدائم، فلا نوم من دون حراس، ولا نزهة من دون أعين تمنع الحياة حيث تجولون، ولا طعام من دون ذائق انتحاري، ولا سعادة إلا على تعاسة الآخرين.
ما الذي يجعل واحدكم لا يقدر على أن يستيقظ لساعة واحدة، فيجمع أغراضه، أو ما يحتاج منها أصلاً لبقية عمره، ثم يبكي لعائلته، ويعتذر من ضحاياه، قبل الرحيل؟
ألا تعرفون، أنكم لا تتركون خلفكم، إلا الريح الصفراء، التي لا تترك لأولادكم وأحفادكم فرصة العيش من دون دماء؟
أما نحن، صنف الضحايا الذين يتكاثرون يوماً بعد يوم،
فلن نفوّض إلى الناطقين باسم الله حق إعدامنا،
لن نترك أبناءنا الذين اخترنا لهم الأسماء التي لا تميزهم، يعيشون الخوف من كنيتهم التي يراد لها أن تكون خطيئة أصلية لا نجاة منها.
لنا الحق، ليس بالصراخ فقط، بل بشتم المجانين الجدد، والتشهير بهم واحداً واحداً، والدعوة إلى مقاومتهم، بكل العنف إذا اقتضى الأمر، وبكل القسوة متى حان الوقت.
لنا الحق، في تعطيل ما يعدّ من قوانين مجرمة بحق الفرد والجماعات. ولنا الحق، في تحريض الناس، والأبناء، والأحفاد، على كرهكم، ورفضكم.
لنا الحق في دعوتهم إلى مواجهة فاصلة معكم، لا شفقة فيها ولا رحمة، إذ لا يبدو أنّ درس الحرب الأهلية قد أفادكم، وبينكم من يمنح نفسه صفات الأنبياء والقديسين!