ما زال لبنان واللبنانيون يتخبّطون في أزمتهم المزمنة. عنوان الأزمة العجزُ عن تشريع قانون للانتخابات يحقق صحة التمثيل الشعبي وعدالته. منذ ما قبل الاستقلال العام 1943، وبعد اتفاق الوفاق الوطني المعروف باسم «اتفاق الطائف» للعام 1989، ما زالت قوانين الانتخابات المتعاقبة مخالفة للدستور ولا سيما لأحكامه الأساسية الآتية:
المادة 7 التي تقضي «بمساواة اللبنانيين لدى القانون». والحال أنّ الدوائر الانتخابية غير متساوية في عدد مقاعدها النيابية إذ ينتخب الناخبون أعداداً متفاوتة من النواب.
المادة 22 التي تقضي بانتخاب مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي وفي استحداث مجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف، إذ إنّ كِلا المجلسين غير موجود رغم مرور 27 عاماً على إقرار المادة 22 المذكورة.
المادة 27 التي تقضي بأنّ «النائب يمثّل الأمة جمعاء». الأمر الذي يستوجب أن يكون لبنان كله دائرة انتخابية واحدة في حين يتفاوت عدد الدوائر في مختلف قوانين الانتخابات ويناهز في بعضها الثلاثين.
تجلّى العجز، أكثر ما يكون، بعدم اجتراح قانون انتخابات دستوري لمرحلة بعد انتهاء ولاية مجلس النواب في العام 2013، فكان أن قام نوابُه بتمديد ولايتهم مرّتين على أن تنتهي الولاية الثانية الممدّدة في 2017/6/20.
لاحظ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تقاعساً متعمَّداً لدى النواب والكتل البرلمانية المسؤولة عن تشريع قانون انتخابات جديد وخشي من أن تنصرم ولاية المجلس الحالي فيجد المسؤولون والمواطنون أنفسهم ملزَمين بخوض الانتخابات وفق قانون قديم يعود إلى العام 1960 وجرى تعديله العام 2008 وما زال يضجّ بالمخالفات والثغرات ما أدّى الى امتناع الرئيس عون مرتين عن توقيع المرسوم اللازم لدعوة الناخبين للمشاركة في الانتخابات المُراد إجراؤها.
لتدارك محذور قيام مجلس النواب بالتمديد لنفسه مرةً ثالثة قبل إقرار قانون جديد للانتخابات، قام رئيس الجمهورية باستخدام حقه سنداً للمادة 59 من الدستور بإصدار مرسوم يقضي بتأجيل انعقاد مجلس النواب لمدة شهر واحد تنتهي في 2017/5/13، مؤمّلاً بأن يتمكّن رؤساء الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية المتصارعة من التوافق على قانون انتخابات جديد قبل انتهاء ولاية المجلس في 2017/6/20.
ليس ثمة ما يشير الى انّ الأطراف السياسية المتصارعة قادرة على إنجاز صيغة توافقية لقانون انتخابي جديد قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي. حتى لو توصّلت إلى مثل هذه الصيغة، فإنّ مؤشرات كثيرة توحي بأنها ستكون صيغة غير دستورية لا تؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته. ما العمل؟
الأرجح ان يقوم مجلس النواب، بعد انتهاء مدة وقفه عن الانعقاد وقبل نحو 15 يوماً من انتهاء ولايته، بالتمديد لنفسه مرةً ثالثة لمدة قد تصل إلى 6 أشهر بأمل أن يتمكّن النواب الممدّدون خلالها من اجتراح قانون انتخابات جديد قبل تصّرم ولايته الممدّدة. هذا التدبير سيواجه بالتأكيد غضبة شعبية عارمة قد تتخللها اضطرابات أمنية وسياسية، وقد تفتح الباب أمام القوى الشعبية لفرض مطلب تطبيق الدستور بضغط الشارع الساخط.
تفادياً لهذا الاحتمال المقلق، يُستحسن أن يعتمد العقلاء من أهل السلطة، بالتعاون مع الإصلاحيين من قادة الرأي، مقاربةً جدّية لمعالجة الأزمة المتفجّرة وذلك بالتوافق على مبادئ أساسية لقانون انتخابات جديد تكون مستقاة من الدستور وتؤول الى تنفيذ أحكامه باعتماد قانون إطار يقرّه مجلس النواب الحالي أو بمبادرة رئيس الجمهورية إلى صياغة وثيقة إصلاحية توجيهية يستلهمها مجلس النواب المقبل عند قيامه بتشريع قانون انتخابات جديد وعصري يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته، وذلك على النحو الآتي:
اولاً – يدعو الرئيس ميشال عون، التزاماً منه بقَسَمه الدستوري وبصفته رئيس الدولة، رؤساء الكتل النيابية وشخصيات وطنية قيادية الى اجتماع في القصر الجمهوري للتشاور بشأن الخروج من الأزمة يتمثل بتنفيذ أحكام الدستور ولا سيما المادة 22 منه التي تنصّ على إيجاد مجلسين: الأول للنواب منتخب على أساس وطني لاطائفي، والثاني للشيوخ لتمثيل الطوائف.
ثانياً: يجري التوافق على إقرار قانون إطار على الأسس الآتية:
أ اعتماد نظام التمثيل النسبي في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
ب يكون مجلس النواب مؤلفاً من مئة وثلاثين نائباً، مئة منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون اعتماد التوزيع المذهبي للمقاعد، ويُنتخَب الثلاثون الباقون وفق التوزيع المذهبي.
ج يجتمع جميع النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين:
– الأول يقضي باعتبار النواب المئة المنتخبين على أساس المناصفة نواةَ مجلس النواب اللاطائفي المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور، وباعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين على أساس التوزيع المذهبي للمقاعد نواةَ مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة عينها.
– الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ باعتماد معظم المواضيع المعتبرة أساسية في الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور وأهمّها: تعديل الدستور، الحرب والسلم، المعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة، إعادة النظر في التقسيم الإداري للدولة، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية.
ثالثاً: تقوم الحكومة بموجب مشروع قانون أو يقوم عشرة نواب بموجب اقتراح قانون بوضع نظام متكامل للانتخابات يلحظ المبادئ والأحكام المبيّنة أعلاه ليصار الى إقراره في مجلس النواب.
أليس هذا الخيار أفضل من «انتخاب» الأزمة مجدّداً بقيام النواب بتمديد ولاية مجلسهم مرةً ثالثة في زمنٍ لا ضوء يلوح في نهاية نفق النفاق السياسي الذي لا نهاية له أصلاً!