’’نظرة وحدوية ترتقي بالاسلام الى مصب في الوحدة والحضارة وهو سعى في حركته لتلاقي المسلمين وليس للفرقة‘‘...
كثيرون توقفوا عند شهادة القائم بالأعمال السعودي هذه في لبنان وليد البخاري بالإمام السيد موسى الصدر في الندوة التي أقامها في منزل السفير السعودي عن الإمام والتي حملت عنوان ’’نهج الإعتدال‘‘. فـ’’الشهادة‘‘ هذه هي رسالة للطائفة الشيعية في لبنان تفتح نوافذ عليهم وتلغي الإنطباع السائد عن أن المملكة العربية السعودية تقارب ’’شيعة لبنان‘‘ من زاوية التماهي مع ايران ومع الخلاف الخليجي معها. لكن ما هو أبعد من ذلك هو الإعتراف بالإسلام الشيعي ووحدة المسلمين وأخذ مسافة واضحة عن الأطروحات التي تُكفِّر الشيعة وخصوصا في خطاب التطرف السني.
أين يمكن أن يُصرَّف كلام القائم بالأعمال السعودي؟
إنه أولا اقتراب من ’’الإعتدال الشيعي لبنانيا‘‘ ومن رئيس المجلس النيابي نبيه بري كونه يُمثل الإعتدال على مستوى السلطة السياسية وجسر حوار بين الطوائف اللبنانية على اختلافها وواسطة حوار بين حزب الله وتيار المستقبل. وثانيا دعم فكرة الدولة وعروبتها واستقلاليتها. وثالثا الإعتراف بالبناء الفكري للإمام موسى الصدر الذي يصلح كخارطة طريق للبنان والمنطقة وأرضا للحوار بين ايران وجيرانها الخليجيين. ورابعا في الترجمة الفعلية قد يكون الكلام السعودي مقدّمة لسحب الهواجس التي أصابت رجال الأعمال الشيعة في الخليج حول مستقبل أعمالهم هناك. وهذه خطوة يقاربها الشيعة بكل اتجاهاتهم بالترحاب.
الإعتدال السني أصلا يحتاج لنظرية سياسية تعتمد الإيمان. ومثل هذه النظرية رسمها الإمام موسى الصدر ويمكن الأخذ بها من الشيعة والسنة والمسيحيين. وهي تشكل بناء فكريا كاملا يعتمد مقومات ثابتة تغلب فكرة الحوار في معالجة الخلافات على فكرة الخلاف : الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية المسيحية-الإسلامية. فالدين هو واحد في نظر الإمام موسى الصدر ’’عندما نلتقي في الله‘‘. وفي جوهره واحد ’’غايته بناء الإنسان وإزالة الحواجز التي نصبتها عوالم يبرأ منها دين الله الحق. والقاسم المشترك بين المسيحية والإسلام هو الإنسان الذي هو هدف الوجود والمحرك للتاريخ‘‘. وهذا يعني أن السيد موسى الصدر كان يرمي إلى تعريف واحد للإسلام يركّز على الإنفتاح والتسامح والإعتراف بالآخر. وهنا ثمة دور رئيسي للأزهر والنجف وقم خصوصا وأن التنظيمات الدينية المتطرفة تملك تفسيرات خاطئة لـ’’الحاكمية بالله‘‘ تبرر القتل وسياسات الإلغاء وتكفير الآخر.
وقف الحرب اللبنانيّة والفتنة الداخلية هو ما عمل عليه الإمام الصدر فكان اعتصامه في مسجد الصفا وكان رفضه لشعار عزل الكتائب الذي رأى فيه عزلا للمسيحيين. فإذا كانت مقاربته اللبنانية صون الصيغة اللبنانية بما تعني ’’التمسك بوحدة لبنان وانسجامه مع المنطقة وصيانة كونه أمانة للحضارة العالمية‘‘ فإنه بالتأكيد مع صون السلم الأهلي فيه واستبعاد كل ما يهدد الوحدة الداخلية فيه. وبهذا المعنى فإن التأزم في العلاقات الايرانية-السعودية لا يلتقي بتاتا مع البناء الفكري للإمام موسى الصدر باعتباره يغلب التعارضات الثانوية على اعتبارات المصالح المشتركة... وهكذا فإن النظرية الفكرية السياسية للإمام موسى الصدر تصلح لفتح إمكانية الحوار بين طهران والرياض باعتبار أن الخلاف يمعن في تمزيق المنطقة واستدراج التدخلات الأجنبية.
ليس مفاجئا الإهتمام السعودي بفكر الإمام موسى الصدر ومعه أيضا الإهتمام الايراني المستجد. إذ قبل فترة زارني عميد كلية الفلسفة في جامعة طهران الدكتور رسول رسوليبور يسأل عن مضمون نظرية الحوار عند الإمام الصدر وعن مقارباته الفلسفية ونقاشاته السياسية ونظرية حوار الحضارات وإشكالية العلاقة بين الحوار والسلاح.
أيا يكن الأمر فكر الإمام المتجدد مادة ينهل منها كل من يبحث عن حلول مستعصية... وهذا ما تحتاجه كل من ايران والسعودية ويحتاجه أيضا اللبنانيون مجتمعين في العمل لقيام الدولة العادلة والقادرة وبناء المواطنية الواحدة .