يندفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر فأكثر في لعبة توجيه الرسائل الحربية المرعبة والموجّهة في أكثر من اتجاه علّه ينجح في انتزاع انتصارات سيعمل على توظيفها في الداخل الأميركي. لكنه يدرك أنّ للعبة حدوداً، وأنّ التلويح بالقوة شيء والشروع في الحرب مسألة لها متطلباتها وشروطها الكثيرة والتي لا تبدو متوافرة لدى الشارع الأميركي حتى في مسألةٍ تمسّ الأمن القومي الأميركي مثل صواريخ كوريا الشمالية القادرة على استهداف الساحل الغربي للبلاد. ما يعني أنّ اصوات الرعد التي يصدرها البيت الابيض لا تبدو قابلة للتحوّل عواصف ووحولاً ولذلك كانت هنالك رسائل حربية في المقابل.
بعد الصواريخ التي استهدفت قاعدة الشعيرات في سوريا تزامناً مع لقاء ترامب بنظيره الصيني، ألقى الجيش الاميركي «أُم القنابل» على شبكة أنفاق لـ»داعش» في افغانستان، لتجري القوات الاميركية بعدها بأيام تجربة ناجحة لإلقاء نسخ متطوّرة من القنبلة النووية التكتيكية من طائرة «إف 16» في صحراء نيفادا.
وفي المقابل عمدت كوريا الشمالية الى توجيه رسائلها إن من خلال العرض العسكري المذهل الذي أجرته أو حتى من خلال تجاربها الصاروخية والتي أرادت منها القول إنها تدرك جيداً بأنّ الظروف لا تساعد واشنطن على الدخول في الحرب.
لكنّ إدارة ترامب التي تعوّل على دور صيني مساعد لإنجاز تسوية تحدّ من خطر الصواريخ الكورية الشمالية في اتجاه أراضيها في مقابل ضمانات سياسية يريدها النظام الحاكم في كوريا الشمالية، أعطت عناوين إضافية لرسائلها لتصل الى روسيا والاطراف في الشرق الاوسط.
لذلك مثلاً أجرت روسيا بدورها تجربةً ناجحة على صاروخ حربي جديد مضاد للسفن هو الأسرع في العالم والأكثر دقة وقدرة على تهديد القطع البحرية.
وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس، وهو الرجل القوي داخل إدارة ترامب والذي يتولّى خطة القضاء على «داعش»، بدأ جولة تشمل خمس دول في المنطقة بهدف التسويق لخطته والتي تشمل أيضاً ضمان عدم قيام العناصر الإرهابية بإنشاء نقاط انطلاق لهم في اماكن مثل أفغانستان. وتأتي زيارته في وقت تُجري السعودية والأردن مناورات مشتركة في الأردن تحاكي الحرب الدائرة في سوريا.
ووفق مصادر اميركية، فإنّ وزارة الدفاع الاميركية تميل الى الاعتقاد بأنّ روسيا وإيران زادتا من دعمهما الخفي لحركة «طالبان» في مواجهة الحكومة الأفغانية التي تدعمها الولايات المتحدة الاميركية، وبدا أنّ «طالبان» نجحت خلال المرحلة الماضية في السيطرة على مساحات واسعة من أفغانستان ما جعل الحكومة مهدَّدة وهي تعاني أصلاً من الاهتراء بسبب الفساد.
لكنّ الأهم ما تورده هذه المصادر المعروفة بسعة اطّلاعها، من أنّ نزاعاً يدور بين رؤيتَي وزارتي الدفاع والخارجية حول السياسة الأميركية الواجب اتباعها في الشرق الاوسط.
وحسب المصادر نفسها فإنّ مجموعة وزارة الخارجية تشتكي من عدم مبالاة إدارة ترامب بالمفاوضات والرؤية السياسية، فيما تعطي في المقابل حرية عمل أوسع للقادة العسكريين ولو على حساب إهمال الديبلوماسيين.
وكان لافتاً ما أورده الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان والمعروف بقربه من الديبلوماسين الكبار في وزارة الخارجية. فريدمان تحدث عن تركيبتين منفصلتين لتنظيم «داعش»، الأولى وسمّاها «داعش الافتراضية» والتي تنشر إيديولوجيتها من خلال الانترنت وهي تركّز عملها وجهودها على الجاليات الإسلامية الموجودة في المجتمعات الغربية والأوروبية خصوصاً وتنفّذ العمليات الإرهابية التي تصيب قلب هذه المجتمعات.
وتركيبة «داعش الواقعية» الموجودة فعلياً من خلال تنظيم واضح وهرمية في العراق وسوريا، والتي تهدف الى هزيمة الرئيس بشار الأسد وداعميه من الروس والإيرانيين و»حزب الله»، والسعي الى تثبيت «دولة الخلافة»، كما قال فريدمان الذي أضاف أيضاً، أنّ الجهود يجب أن تتركّز لهزيمة «داعش الافتراضية»، وأنّ هناك صعوبة في ذلك، وأنّ الخطر يكمن هنا.
أما «داعش الواقعية» فيجب التعامل معها بواقعية من خلال التفاوض حول صيغة حكم جديدة في سوريا وبناء مناطق حظر جوي حول إدلب حيث المعارضة ورفع مستوى الدعم العسكري لها بهدف استنزاف الروس والايرانيين.
وينهي فريدمان مقاله بالقول إنّ «هزيمة «داعش» الآن ستخفف من الضغوط على الأسد وروسيا وإيران و»حزب الله» ما سيسمح لهم بتركيز قدراتهم لسحق المعارضة في إدلب».
كلام فريدمان الذي يدعو ضمناً الى مفاوضة روسيا وإيران على نار «داعش» تَقَاطَع، ولو من بعيد، مع كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود باراك الذي قال في مقابلة له مع صحيفة «يديعوت احرونوت»، إنه «في نهاية المطاف لن تكون هنالك أزمة بين ترامب وبوتين».
وأضاف: «سيكون في إمكان بوتين أن يحصل من ترامب على اعتراف بمكانته في أوكرانيا وجورجيا وسوريا، إذ إنه توجد على الطاولة صفقات كبيرة فلماذا نفسد ذلك؟».
ووفقاً لما تقدّم فإنّ باب الصفقات المفتوح هو الهدف الحقيقي للرئيس الأميركي رجل الأعمال بثياب مرقطة، وهو يحمل بين يديه ملفات كثيرة قابلة للمبادلة والمقايضة وهو القادر على التنسيق في ما بينها.
وفي الثالث من أيار المقبل من المفترض أن يلتقي ترامب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مسعى لإنجاز التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية بالتزامن مع دخول تسوية للحرب الدائرة في سوريا. في وقت بدأت تلوح اهتزازات للساحة التركية بعدما شكّل الاستفتاء منعطفاً أدخل البلاد في طريق لا يمكن الرجوع منه، طريق محفوف بالأخطار ويحجب الرؤية فيه الضباب الكثيف.
وكان لافتاً ما كتبه الصحافي التركي جيم كوتشوك والمعروف بعلاقته الوطيدة مع أركان السلطة التركية الحاكمة حيث قال: «مع أنّ الرئيس أردوغان فاز في الاستفتاء إلّا أنه ينبغي أن تستعدوا للحرب».