مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الايرانية، برزت مجدداً مشاكل البيت الداخلي الايراني والتي غالباً ما تظهر قبيل هذا الاستحقاق الدستوري. ولكن لهذه المشاكل في التوقيت الحالي، طعم خاص لان المعني بالموضوع هو الرئيس الحالي حسن روحاني، اي الرجل نفسه الذي تلقى انتقادات من الحرس الثوري ومن قوى متشددة ايرانية بسبب توصله الى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والغرب. اليوم، رد روحاني بعد ان اعلن ترشيحه مجدداً، فانتقد اهتمام القوى المسلحة بالاقتصاد ودعاها الى التركيز على مهامها، في ما اعتبره الكثيرون بداية معركة رئاسية بينه والحرس الثوري.
يدرك روحاني انه امام لحظة حاسمة في حياته السياسية، فالتجديد الرئاسي لولاية ثانية سيمنحه قوة شعبية يستند اليها لاكمال المواجهة بعزم وقوة اكبر، وهو يحمل معه انجازاً كبيراً تمثل بالاتفاق النووي الذي حرّر البلاد من الحظر الدولي واراح السوق الاقتصادي، وجذب الاهتمام العالمي مجدداً بايران من ناحية الاستثمار والعلاقات. لكن هذا الانجاز، يراه قسم آخر من الايرانيين وكأنّه بداية لدخول الغرب الى "الحصن الايراني المنيع" مع ما يعنيه ذلك من اعادة تدخل في الشؤون الداخلية، وعودة طهران للتعلق بالغرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، وهو ما يرفضه تماماً الايرانيون الذين اثبتوا انهم عادوا الى الواجهة بقوّة على الخريطة السياسية العالميّة بفعل القوة العسكرية من جهة، وشبكة العلاقات التي نسجوها مع روسيا ودول اخرى من جهة ثانية.
الا ان روحاني، الذي يدرك هذه الهواجس، يحاول ارضاء الجميع في بلاده مع التشديد على وجوب احتفاظه بمساحة من الحرية لا يجب على احد ان يخرقها، اي بمعنى آخر ان تحترم قراراته، بعد ان اثبت انه قادر على احداث التغييرات. وفي كلمة له منذ ايام، ضرب الرئيس الايراني ضربة مهمة حين دعا الى تعزيز القوات المسلّحة وان طهران "لن تطلب إذناً من احد" لبناء قدراتها الصاروخية. وعلى الرغم من انه ارفق كلامه بالتأكيد على ان هذا الامر يهدف فقط "للدفاع عن البلاد"، فطمأن عبر هذا الموقف الذين يخشون تقديمه تنازلات عسكريّة في مقابل نفوذ سياسيّ، ووضع حداً ايضاً للذين يتهمونه بأنه يرغب في التخلص من النفوذ العسكري الايراني والسيطرة على الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد.
واللافت في هذا الموقف، انه اتى في وقت كانت الولايات المتحدة تزيد من غموض الموقف الرسمي تجاه ايران، حيث طلب الرئيس دونالد ترامب مراجعة عامة للاتفاق الدولي ومدى توافق رفع العقوبات عن ايران مع خطة المصالح الحيوية لاميركا، فيما كانت الخارجية الاميركية تؤكد في رسالة الى رئيس مجلس النواب ان ايران تفي بالتزاماتها وفق الاتفاق النووي. هذا الغموض في الموقف، من شأنه ان يعزز الوضع الداخلي لروحاني، ويزيل اي التباس من شأنه ان يضعه في خانة واحدة مع الولايات المتحدة، وهو يفصل بالتالي بين شخصه الذي يبقى مصدر خلاف مع الغرب، وبين الاتفاق النووي الذي يحظى بتأييد عارم من الخارج.
ويبدو ان روحاني يراهن على تفاعل الشعب معه، وهو الذي حرّره من ضائقته الاقتصاديّة والماليّة، كما انه وقف بحزم في وجه السعوديّة حين تصاعدت حدّة الخلاف السنّي-الشيعي. ولكن لا يزال على الرئيس الحالي ان يواجه خصومه ليقنع الناس بأنه الخيار الصائب لهم لمتابعة خطّته التي وضعها ولو انها ستحدّ من تدخلات الحرس الثوري في شؤون غير عسكريّة.
من هنا السؤال حول الخيار الذي سيتخذه الشعب الايراني يوم الانتخابات، مع التشديد على ان البيت الداخلي بحاجة الى ترتيب بغض النظر عن هوية الفائز أكان روحاني او احد منافسيه، ليتمكن الايرانيون من المحافظة على نفوذهم ودورهم الذي استعادوه بعد فترة غير قصيرة من المشاكل والخلافات والحظر، وعدم العودة الى الوراء.