فيما تتفاقم أزمة النازحين السوريين في لبنان، بظل غياب أي حلول من الحكومة اللبنانية، بدأت مشاكل هذا النزوح تطوف على الواجهة، خصوصاً في سوق العمل الذي يضيق أساساً باللبنانيين، فكيف هو الحال اليوم مع تواجد أكثر من مليون ونصف مليون نازح في لبنان.
وينقسم اللبنانيون في هذا الموضوع، فمنهم من يرى أن استضافة السوريين هو واجب يجب الالتزام به، انسانياً واخلاقياً، ومنهم من يرى أن اللبنانيين لهم الأولوية في وطنهم. ولتحقيق غاياتهم، نظّم القسم الثاني من اللبنانيين حملة تحمل اسم "قاطع"، لمقاطعة المطاعم والمحال اللبنانية التي توظّف اليد العاملة السورية بدل اللبنانية. وأدت هذه الحملة إلى نقاشات حامية على مواقع التواصل الاجتماعي حول مدى انسانية الحملة.
"لا افهم الفرق بين ان يكون الانسان سوريًا او لبنانيًا او فلسطينيًا فكلنا بشر في النهاية"، هكذا يصف الخريج من كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية والذي يحمل الجنسية السورية محمد ادريس الواقع في لبنان، والذي يجلس اليوم في المنزل من دون عمل بسبب جنسيته "رغم ان والدتي لبنانية ولديّ اقامة في لبنان". ويضيف ادريس "في الكثير من الوظائف لا يتم قبولي بسبب جنسيتي وبسبب عدم توظيفهم للسوريين. من يريد ان يكون بمركز معين يجب ان يتمتع بكفاءات محددة لذا يجب التعامل في التوظيف وفق الكفاءات وليس وفق الجنسيات، أي أن يتم توظيف الأكثر كفاءة مهما كانت جنسيته".
ويرفض ادريس، في حديث لـ"النشرة"، ما تقوم به بعض المطاعم في لبنان على سبيل المثال، أي طرد اللبنانيين وتوظيف السوريين مكانهم لتخفيض تكاليف اليد العاملة "فأنا لا اقبل ان يتم طرد لبناني بسبب عامل اجنبي قد تكون أجرته أرخص"، مستدركاً بالقول "كما انني لا اقبل بأن يموت غير اللبناني من الجوع بسبب جنسيته، فإن كان لديه كفاءة يجب الاستفادة منها".
في المقابل، يرى بعض اللبنانيين، والذين يعبرون عن آرائهم على صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم "اتحاد الشعب اللبناني"، أن "هذه الحملة سببها عدم تنظيم عمل الاجانب واليد العاملة الاجنبية في لبنان، اضافة لعدم تطبيق قانون العمل الذي يحصر المهن التي يسمح فيها للسوريين التوظيف بها". ووصف هؤلاء، في حديث مع "النشرة"، تفاعل اللبنانيين معهم على مواقع التواصل الاجتماعي بالجيد جداً، متسائلين "لكل من يتهمنا بالعنصرية والابتعاد عن الانسانية، هل المطالبة بتطبيق القوانين هي عنصرية"؟.
في الشق القانوني، أصدرت وزارة العمل قراراً في العام 2014، بالمهن المحصورة باللبنانيين، ليقتصر عمل السوريين فقط في قطاعات الزراعة والنظافة والبناء. كما أعلن الأمن العام اللبناني وقتذاك فرض اجراءات جديدة على الحالات الآتية من سوريا، فقد قسمت هذه الاجراءات الوافدين الى فئات عدة: السياحة، زيارة عمل، التسوق، مالك عقار، مستأجر العقار، والدراسة، الدخول او المغادرة عبر المطار او أحد الموانئ البحرية او الحدود البرية، العلاج الطبي، مراجعة سفارة اجنبية، والدخول بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية.
وتؤكد مصادر وزارة العمل لـ"النشرة"، أنه "بسبب أعداد السوريين الكبيرة التي دخلت لبنان، أُجبرت السلطات اللبنانية على اتخاذ بعض الاجراءات في حقهم، لتنظيم وجودهم داخل الأراضي اللبنانية"، لافتة إلى أن "كل مواطن لديه اعتراض ضد أي محل تجاري لا يتقيد بقانون العمل، يمكنه أن يتقدم بشكوى لدى الوزارة التي لن تقف مكتوفة الايدي في هذا الموضوع"، ومؤكدة أن "الوزارة سطرت محاضرَ بحق العديد من الأشخاص اضافة لاغلاقها عدداً من المحال التجارية والمطاعم لنفس السبب".
بين نازح حاصره الموت في بلده بسبب الحرب، وفي الغربة بسبب الفقر، وبين إبن وطن ضاق بابنائه، يبقى الجميع بانتظار قرارات حكومية صارمة، تنصف اللبناني في وطنه، وتعطي النازح السوري جزءاً من حقوقه الانسانية.