كانت لافتة أمس، المقاربة الإسرائيلية الموجهة والموحدة، في مختلف وسائل الإعلام العبرية، وإلى حد التطابق شبه الحرفي، في التعليق على تنظيم حزب الله جولة للإعلاميين على الحدود مع فلسطين المحتلة، لمعاينة حجم التغيير في معادلة الصراع، وانتقال إسرائيل من الموقف الهجومي إلى الموقف الدفاعي، في مواجهة المقاومة.
جاءت مقاربة المراسلين على اختلافهم، والتقارير العبرية الإخبارية والتحليلية، متطابقة حتى في ما يتعلق بالتفاصيل والعبارات المستخدمة، وفي الأسئلة التي وجّهها مقدّمو نشرات الأخبار إلى المراسلين العسكريين والسياسيين والضيوف، في مؤشر على توجيه مقصود ومحدد بدقة، من قبل المؤسسة الأمنية، جمع كل الإعلاميين الإسرائيليين، كرد فعل على حدث، وُصف إسرائيلياً بـ«غير المسبوق»، وشكّل تحدياً واضحاً للعدو. مع ذلك، جاء «الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة» على لسان مراسل القناة الثانية، يارون شنايدر، الذي أشار إلى أن «جولة الصحافيين هي رسالة ردع موجّهة لإسرائيل، تؤكد لها أنّ حزب الله مستعد وجاهز ويده على الزناد».
واقتصرت المقاربة الإسرائيلية على التقارير الإعلامية الموحدة، كبديل من التعليق الرسمي، إذ كشفت القناة الأولى العبرية في سياق نشرتها الإخبارية أمس، أن قراراً صدر من أعلى المستويات بالامتناع عن إطلاق مواقف وتصريحات رسمية، رداً على «استفزاز حزب الله».
حتى الأسئلة
الموجّهة من مقدّمي الأخبار إلى المراسلين كانت متطابقة
الانتقال بين القنوات الإسرائيلية، وما كتب من تقارير في المواقع الإخبارية والصحف الصادرة في اليوم التالي جاءت موحدة ومتطابقة. بدأت باعتبار الجولة استفزازاً لإسرائيل وتصعيداً غير مسبوق، مع التركيز الموحد على كون الحدث هو إشارة واضحة إلى «ضعف حزب الله». هذا «الضعف» تردّد على لسان كل المعلقين الإسرائيليين، بلا استثناء يذكر.
ورغم أن الجولة في تعبيراتها المباشرة هي شرح لواقع ميداني قائم، لجهة انتقال إسرائيل من الموقف الهجومي المعتاد تجاه الساحة اللبنانية إلى الموقف الدفاعي القائم على تغيير معالم الأرض لمنع تسلل حزب الله باتجاه فلسطين المحتلة (في حال فُرضت المواجهة على الحزب)، فإنها (الجولة) أيضاً رد فعل طبيعي وأقل من المطلوب والضروري، كرد على انتهاكات إسرائيل اليومية للأجواء والمياه اللبنانية، وأيضاً رد دون الحد المطلوب لبنانياً على الكم الهائل من التصريحات والتهديدات المنفلتة، بقتل المدنيين في لبنان وتدمير بلداته وقراه ومدنه وبنيته التحتية، في أي مواجهة مقبلة.
بحسب القناة الأولى العبرية، «حالة الضعف» هي التي أملت على حزب الله وعلى قيادته تنظيم جولة كهذه، الأمر الذي ركزت عليه أيضاً القناة الثانية، والعاشرة، والمواقع الإخبارية، بلا أي مناقشة واستعراض لقوة حزب الله وقدرته الفعلية على احتلال الجليل، التي لم تكن تغيب، في العادة المتبعة، عن التقارير العبرية في السنوات القليلة الماضية.
هذه الرواية الموحدة أمس، في كل التقارير العبرية، المتطابقة حرفياً بلا استثناءات تذكر، أثبتت أن الإعلام العبري «المشهود له» بقدر من المهنية، ابتعد أمس بشكل مقصود وواضح وموجه مع انقياد تام، عن هذه المهنية. أثبت الإعلام العبري أمس، أنه عندما يتعلق الأمر بحزب الله، تنتفي المهنية لتحل مكانها التبعية العمياء للرقابة العسكرية وروايتها الموجهة. في حالة الحزب، يتحول الإعلام الإسرائيلي إلى ما يشبه إعلاماً شمولياً منقاداً بلا ممانعة، على قاعدة أن الإعلام أداة من أدوات المعركة في مواجهة الحزب، ووسيلة قتالية تستخدم بإفراط، وبلا كوابح.
لكن، ما الذي يدفع الرقابة العسكرية إلى فرض رواية موحدة على كل التقارير العبرية؟
من ناحية، لم يكن أمام المؤسسة الأمنية في إسرائيل، وتبعاً لها في حالة حزب الله، المؤسسة الإعلامية، أن تتجاهل الحدث الذي هو في مدلولاته أكبر بكثير من أن تتجاهله. من ناحية ثانية، التعامل مع الحدث بمهنية ومناقشة ما ورد فيه، عسكرياً وسياسياً، ومحاولة تحليل معنى الرسالة الكامنة فيه، سيؤدي بالضرورة إلى زيادة مفعول رسالة حزب الله من خلال الحديث عنها، وتأكيد ما ورد فيها وتثبيته، وتحديداً لدى الجمهور الإسرائيلي، المعني الأول بتلقي مفاعيل الحدث، والتعليقات عليه.
من هنا، جاءت المقاربة المدروسة والموجهة، مع استخدام مفرط وموحد وجامع في كل التقارير العبرية، لـ«معزوفة» ضعف حزب الله. الضعف الذي تحول في الفترة الأخيرة إلى لازمة كلامية تصاحب كل موقف وتحليل إسرائيلي، بمناسبة أو غير مناسبة، في توجه مقصود واضح للجمهور اللبناني وبيئة حزب الله تحديداً. لكن هذه المرة، جاءت مقاربة «الضعف» بشكل شبه حصري كي تسمعها الأذن الإسرائيلية، منعاً للقلق وزيادة منسوب الخشية لدى المستوطنين من الآتي في حال تحققت المواجهة مع حزب الله.
هذا لا يعني، أيضاً، أن رواية إسرائيل ليست موجهة لمن يريد أن يتناولها ويرددها ممن يستمعون عادة إلى الروايات الإسرائيلية حول حزب الله، وخاصة أن جزءاً من المسؤولين الرسميين وغير الرسميين في لبنان، من خصوم حزب الله و«أشباه أعدائه»، تعاملوا مع الجولة بقلق وانفعال بارزَين، وجاءت ردة فعلهم مشابهة تماماً لردة فعل الإسرائيليين أنفسهم، إن لم تكن أكثر حدّة.